أتابع منذ أشهر مقالات بشير عمري في الصحيفة العربية {رأي اليوم} الصادرة في لندن لصحابها ورئيس تحريرها الأستاذ عبد البارئ عطوان ، اتخذ الحالة الجزائرية نماذح تطبيقية لرؤى يحاول أن يعبر من خلالها على منهج تنظير سياسي قد يفضى به إلى نظرية سياسية أو وضع قواعد المنهج لاتجاه عربي جزائري في الفكر السياسي التطبيقي .
وقد أفضت بي مجموعة من الملاحظات التي سجلتها على مقالاته الأخيرة أن الثريا أبعد ما يكون عن الثرى . وهذا ما أستدل عليه بالملاحظات والنقدات على نحو ماذكرت :
فمقال ” معضلة الحدود المكانية للهوية القطرية المركبة.. الفكر الاسلاموي كنموذج للاضطراب” 30/4/ 2022 يدور حول فكرتين هما : تغير وثبات جغرافيات الدول وعلاقاتهما بالتنمية والتطور. والثانية علاقة الفكر السياسي الإسلامي بالمسألة الأولى . وقبل إبداء ملاحظاتنا حول هاتين المسألتين ، نلحظ ورود كلمات وعبارات في المقال خاطئة من الناحيتين المعجمية والنحوية ؛ الأولى : كلمات {الإنولاد أو الإنوجاد و معاسر و أشاسيع} واضح أن المقصود : تلد اأو تتولد ، وإيجاد} وليس للفظي المقال ذكر في معاجم العربية القديمة والحديثة، وتمجهما السليقة اللغوية العربية ، أما شاسع فجمع : شاسعون و شُسَّع ، المؤنث : شاسعة ، و الجمع للمؤنث : شاسعات و شواسِعُ، ولم تعرف العربية قديما ولا حديثا {الأشاسيع}! أما نحوا مثلا نقرأ {اعتبار ذلك عزاء} فالخطأ سهل إدراكه وتصويبه .كما نقرأ الجملة الأولى في المقال :{ليس يقف عجز المجتمعات المتخلفة في تأكيد وجودها الفاعلفي التاريخ}،فليس هنا توظف في معنى {أكلوني البراغيث} المثل الشهير لدى النحاة !!!
أما مسألة تغير وثبات جغرافيات الدول وعلاقاتهما بالتنمية والتطورالتي توسل بها المقال لثلب الفكر الإسلامي السياسي، فيريد المقال ان يقرر بها تصورا شخصيا هو أن التمسك بالهوية الجغرافية والقومية والحدود الحغرافية تخلف وعرقلة للتطور والتنمية . وضرب مثلا بسنغافورة الصغيرة لؤلؤة النظام الرأسمالي المعولم . والملاحظ للمتخصص وغيره أن النمو والتطور المعاصرين غير مشترطين بضآلة أو شساعة هذا البلد أو ذاك؛ إذ في نموذجي المساحة دول متقدمة متطورة في قمة التطور العلمي والتقني والحضاري، وأخرى متخلفة . فإن تكن سنغافورة التي التي أخذها التاج البريطاني ثم غلبه عليها اليابان في الحرب الثانية، ثم عادت للتاج ثانية، ثم نالت حكمها الذاتي واستقلالها المشروط إلى اليوم قد تبرجت في العولمة فأصبحت مرقد المال الاستعماري المعولم، فإن الإيحاء بانفصالها عن ماليزيا سبب لهذا الوهج المالي والاقتصادي ، مجانب للحقيقة وافتراء على التاريخ القريب من جهة ومن أخرى فإن ماليزيا بلغت شاوها في التحضر والتقدم برؤية ذاتية حضارية أبقت على المسافة اللازمة مع الامبريالية العالمية وانجزت ما هو معروف مع بقاء مهاتير محمد شامخ الرأس معتزا بقوميته المالاوية ورؤيته الوطنية الجامعة لاعراق الماليزيين، ومحتقرا الغطرسةالأمريكية، ضاربا ما تسميه مساعدات على وجهها الابتزازي القبيح عندما جد الجد .ثم متى كانت القومية عقبة وسببا كافيا لعرقلة التطور والتنمية؟ أليس أمامنا الصين والهند اليوم وروسيا،وغيره؟ !!!
أما المسألة الثانية وهي عرقلة الفكر السياسي الإسلامي المعاصر للتنمية والتطور بسبب نظرته الوطنية الضيقة. فالأمر في غاية الغرابة ؛ فالمعروف عنه عكس ذلك تماما؛ أنه فكرأممي تطفح به أدبيات مؤسسي وزعماء الحركات الإسلامية المعاصرة : الإمام حسن البنا وجماعته إلى اليوم تعتمد التنظيم الدولي، الإمام أبو الأعلى المودودي في كتاباته على وجه الخصوص، حزب التحرير الذي تقوم عقيدته على الخلافة الإسلامية وهي رؤية و مسألة عالمية ، والثورة الإيرانية تقدم نفسها وجولتها وتجربتهاعلى أنها تمثيل للشيعة عالميا، وتسعى لكسب الجغرافيا في هذا الصدد .أما استشهاد المقال بكتاب { الإدريسي المقري }في الموضوع، فالحقيقة أننا بمقتضى المنطق العلمي نطلب الأدلة من المؤسسين والأعلام الكبار سواء كانوا ممن الحركات الإسلامية المهتمة بالسياسة أو علماء الإسلام المستقلين عنها : لذا من يريد حديثا علميا مؤسسا يمتاح من كتابات : سيد قطب والمودودي وعبد القادر عودة والنبهاني وشريعتي والإمام محمد أبو زهرة والشيخ الدكتور محمد المبارك والسنهوري عالم القانون العظيم، والشيخ الغزالي والشيخ البوطي وعالم السياسة الكبيرحامد ربيع و الشهيد الكبير اسماعيل راجي الفاروقي و طارق البشري و سليم العوا و نادية مصطفى وسيف الدين عبد الفتاح والشيخ وهبة الزحيلي والقائمة شاسعة جدا جدا .أما لماذا لم تثمر هذه الجهود العلمية الكبيرة والشامخة دولا إسلامية متطورة؟ فالجواب عنها لن يكون بقينا بمنطق المقال .
أما مقال ” من لا يتكيف يموت”.. المجتمع السياسي الجزائري نموذجا!”17/5/2022فمقال توصيفي؛ لا تزيد معلوماته عما يعرفه عامة المواطنيين الجزائريين فضلا عن خواصهم.
والمقالات {المناحات/ والسرداقات } التي يطلع بها صاحب المقال على القراء خاصة غير الجزائريين، نمط واحد لا تميز فيه ، بتحليل يعرض الأسباب والعوامل والتفسيرات العلمية وفق مذهب أو اتجاه معرفي سياسي، يمكن أن يحمل معالجات وروئ فاعلة وإيجابية لمعالجة الاختلالات والمشكلات .
أرى أن يقرأ صاحب المقال وأضرابه ممن يخوضون أعوص القضايا مقالات الأستاذ الدكتور وليد الحي الصحفية مادام الحديث عن المقال الصحفي ؛ ليتعلموا ويستخلصوا مؤهلات ومقومات وأساليب التحليل الرفيع الراقي المؤسس على قواعد وشروط التحليل الذي يمنح القضايا والمشكلات حقها من النظر والفهم والتدقيق والسبر، والمقارنة والتعمق، والأداوت المنهجية والمعرفية والبيانات ذات الصلة بكل قضية ومسألة تُحلل بمقتضى المسؤولية الأخلاقية و العلمية والإعلامية . فيُقدم للقارئ العربي عبر صحيفة وموقع يقبل عليه بقدركبير من الثقة والاهتمام الكبير بما يثار ويطرح .أما الكتابات الانطباعية والتحليلات بما تمليه الصدور والقلوب والمشاعر والغرائر، فلن تكون سوى استخفافا بالقارئ، وخيانة للصحيفة التي فتحب صدرها للكاتب ومنحته الثقة تقديرا لمكانة أو شهادة أو سيؤة ذاتية تقدم بين يدي الاستفتاح بالنشر .
الخلاصة أن الإمعان في هذا المسلك في الكتابة الصحفية رصيد يضاف لمخزون الإعلام العربي من أسباب التخلف والدمار ، وتغرير بالشباب نحو هاوية المستقبل الأتعس الأنكد تحت راية الحرية والديمقراطية . وبئس السراب والورد المورود على نحو ما يطنطن {الطنانون }.
وأما مقاله :” الثورية والاصلاحية في التاريخ جمعية العلماء الجزائريين” 22/5/2022فرغم أن موضوعه الظاهر يدور حول النقاش التقليدي عن {الثورة والثورية} نضالا وثورة كبرى حقيقة لدى الحركة الوطنية بشقيها الإصلاحي {جمعية العلماء المسلمين الجزائريين } والثوري الاستقلالي {حزب الشعب} على وجه الخصوص، فإن الدعوى الحقيقية التي يدعيها المنشور هي : {أن ثورة التحرير الجزائرية1954 ـــــــ 1962 . ليست ثورة إنما هي حرب تحرير} .
وقبل مناقشة الدعوى أسجل الملاحظات الأتية الذكر :
أولا :الشق اللغوي التعبيري :
يواصل بشير عمري هوايته في التعامل مع اللغة العربية كأنما هي {ملكية خاصة } يستخدمها كيف يحلو له . ومعلوم أن المزارع الخاصة في الدول المتقدمة لها قوانينها المنظمة لها في كل جوانبها !!!
أدلتي على ما قلت هي العبارات الأتية الذكر :
أ ــــ ــــــ قوله )كانت تستميت رجالات الجمعية(
السؤال التصويبي : هل رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانوا أم كانت ؟ !!!!
جـــ ـــــ قوله : { الإنسان الجزائري الغارق إذ ذاك في تخلف نفسه وجهله بواقعه}.
السؤال التصويبي : هل كانت نفس الجزائري بحيرة تخلف غارقا فيها ؟!!!
ه ــــــ قوله : )مرحلة البناء (الثوري) وهي أشقى وأعتى المراحل وأعقدها ( !!!
السؤال التصويبي : هل نفهم من العبارة : أن البناء الثوري شقاء؟ إذا كان الأمر كذلك فأي دلالة إيجابية له بمقتضى تمام العبارة ؟!!!
و ـــ قوله : )كان التيار “الوطني” ثوري عمليا.(
السؤال التصويبي : ما التفسير الإعرابي لرفع )ثوري( أو جره ــــ ثم نصب )علميا ( ؟ !!!
حــ ـــ قوله : )ما يُستعاب ويستعتب(( !!!
* معاجم اللغة: لا تعرف يستعاب هذه !!!
ط ـــــ قوله : ا)لدور الذي ينبغي أن تطلع به(
الصواب : تضطلع .
لا شيء مما تقدم ذكره من الخفاء في السوية اللغوية بمكان .
لكنّ مقال عمري بشير كسابقيه يأبي إلا عدم الاكتراث بالعربية قواعدا واستخدام ألفاظ لم يعرفها اللسان العربي الفصيح قديما ولا حديثا ؟ !
ما حيرني أن بشير عمري ينشر عبر حسابه في موقع فيس بوك التصويبات اللغوية، {قل كذا ولا تقل كذا} !!!
الشق الثاني: المضمون :
أذهب إلى أن { دعوى موضوع المقال الحقيقية هي : {أن ثورة التحرير الجزائرية1954 ـــــــ 1962 . ليست ثورة إنما هي حرب تحرير} .
والدليل على قولي ما يأتي ذكره :
أ ـــ مفهوم الثورة بحسب مقولة الشهيد بن مهيدي يبدو عموميا ومحض عملي يقف وعيه عن حد المهمة الرئيسة وهي طرد الغزاة من الأرض ــــــ ب ـــــــ عديد النقاد ينزعون صفة الثورة عن حركة أول نوفمبر 1954 ويكتفون بنعتها بحرب التحرير، لغياب المشروع الثوري في دقيق تفاصيله وعناوين بنيته المفهومية ـــــجـــ ــــــ وإذا كان خالد نزار هنا ينتقد بعديا ثورة التحرير الجزائرية باعتبارها خالية من مضامين حيوية في التاريخ مستوقفة عند الجانب العملي العسكري، ما أعجزها فيما بعد عن التعبير عن نفسها من خلال مشروع مجتمعي يمضي في عملية إعادة البناء (الثوري) وفق نسق وطني ذي مرجعية واستراتيجية وايديولوجيا واضحة ـــــ د ـــــ منزع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين { تأسست عام 1932 ميلادية } .
إذا جمعنا هذه العبارات والفقرات المذكورة في المنشور نصا أكثره ومعنى بعضه، فسيخلص أبسط متأمل إلى أن ثورة التحرير الجزائرية 1نومبر 1954ميلادية ، إنما هي حرب تحرير، وليست ثورة !!
وهذه الوصف {حرب الجزائر} هو الذي تستعمله الهيئات السياسية والثقافية والإعلامية الفرنسية الحكومية منها وغير الحكومية .
قد ينفى صاحب المقال هذا الحكم فيستدل بقوله في مكتوبه مثلا : ) كان التيار “الوطني” ثوري عمليا يضع الوطن قبل الانسان في مشروع التحرير والتحرر، وثورته كانت خارجية أي على الآخر المسيطر على الأرض( لكن قوله :{ وإذا كان خالد نزار هنا ينتقد بعديا ثورة التحرير الجزائرية باعتبارها خالية من مضامين حيوية في التاريخ مستوقفة عند الجانب العملي العسكري، ما أعجزها فيما بعد عن التعبير عن نفسها من خلال مشروع مجتمعي يمضي في عملية إعادة البناء (الثوري) وفق نسق وطني ذي مرجعية واستراتيجية وايديولوجيا واضحة، فذلك لا يعني أكثر من أن جمعية العلماء كانت أدق وأصدق تعاملا مع مسألة هذا “المشروع المجتمعي” ومدركة لخطورة غيابه بوصفه قاعدة حتمية لفكرة الثورة تأسيسا واستمرارية} قد يستنكر قولنا ويستدل بقوله في مقاله : فالاتجاه الوطني كان بدفع نحو التحرير الخارجي، وجمعية العلماء لا مشروعا ثوريا لها ، بل مجرد قاعدة للثورة . فما بقي إذن لإنكار ما نقول ؟
أما نثر {ثورة} في مساحة المكتوب ليست سوى مظهرا من مظاهر التناقضات التي تحفل بها كتابات عمري بشير.
أما الردود الناقضة للدعوى فوفيرة وفرة وغنى تاريخ المقاومة الجزائرية عسكريا وثقافيا وفكريا وفنيا مذ أُبتُليت بالمستعمر الكريه . نقتصر منها على الآتي ذكره :
ـــــ صورة الثورة/ النموذج التي يحملها صاحبنا هي الثورات الكبرى في التاريخ كالثورة الفرنسية وربما البلشفية وغيرهما . وهي الثورات التي مهدت لها أفكار وفلسفات كبرى ، وأسست للأنظمة السياسبة الكبرى التي عرفها القرن العشرون .
ـــــ حجب صفة الثورة عن الثورة الجزائرية قياسا لتلك الثورات، لا يستسيغه عقل، ولا يقبله منطق سوي ؛ إذ لا وجه للمقارنة بين الظاهرة الاستعمارية والأنظمة الملكية التي كانت تحكم أووربا تحديدا . ومثلما أنجبت الثورات {الديمقراطية }و أنظمتها الغربية الحديثة ، أهدت العالم أبشع ظاهرة عالمية ي تاريخ البشر هي الظاهرة الاستعمارية .
ــــــــ من قِصَرِ النظر الفادح، والسطحية الفجّة النظر لتراث مسار النضال الجزائري منذ الاحتلال إلى الاستقلال نظرة {مكيكانيكية} وهي العبارة التي يحاول عمري خلعها على الثورة التحريرية الكبرى،فهي كلمة أقمأ وأحط شأنا من أن تحوي ذاك الرصيد النضالي في مختلف المجالات .
ـــــــ إذا اقتصرنا على ثورة التحرير الكبرى {نوفمبر 1954م}، حصيلة ذاك النضال الذي يحوي في شقه الفكري والثقافي وبرامجه السياسية، الإعلامية يتضمن رؤى وأفكارا وخواطرا وتصورات تحررية ومستقبلية لجزائر الاستقلال .والغريب أن عمري كتب هذا الذي نقول في مقال له في رأي اليوم !
ـــــــ إن الحركة التحررية الوطنية رصيد وطني أنجزته المجموعة الوطنية بمختلف قناعاتها الفكرية والعقائدية والسياسية والحزبية والمفكرين المستقلين عن الهيئات السياسية وغيرها .
ـــــ إن كتابات مالك بن نبي رحمه الله منذ {شروط المهضة الجزائرية} إلى {مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي } و{ميلاد مجتمع} و{دفاتر ملك بن نبي } و{ المسألة اليهودية / وجهة العالم الإسلامي ج2} ، فضلا عن{أفاق جزائرية } {في مهب المعركة} و{تأملات } و{من أجل التغيير} و{ المسلم في عالم الاقتصاد} كلها رصيد ثوري وفكري للمستقبل الذي كان ينشده للجزائر . ومن يقرأ مقالات الطبيب المناضل الكبير الدكتورعبد العزيز خالدي رحمه الله { 1917-1972 } في صحف : الجمهورية ثم الثورة الإفريقية والمستقبل التونسية والمعرفة الجزائرية يقف على رصيد فكري نضالي فيما صار يُعرف بالدراسات الاستعمارية التي نبغ فيها إدورارد سعيد، فكتاب خالدي على صغره {المشكل الجزائري أمام الضمير الديمقراطي/
Le Problème algérien devant la conscience démocratique / ; [Préface/ مقدمة de Salah Bensai/ صالح بن ساعي .]1948. |
} بثرائه النضالي والثقافي والفكري والسياسي يجعله من بواكير هذا النوع من الأعمال المؤسسة، كأعمال شريعتي وفرانس فانون ومالك بن نبي كما قلنا ، وفرحات عباس في {ليل الاستعمار} و{المشكل الجزائري }/ le problème algérien Messali Hadj لزعيم حزب الشعب مصالي الحاج رحمه الله .{1989 ـــ 1974 } و هكذا .
ـــــ أما نشوة العُجْبِ بما يبدعه اليوم جيل عمري بشير ، وتفوقه على أسلافه في النضال الثوري ؛ فيقينا أن الثورة عنده = الديمقراطية . فليأتني بعمل يسامق مثلا مقال مالك بن نبي مثلا { الديمقراطية في الإسلام}؟
وفي النقد الاجتماعي فليأتني بعُصْبة من كُتّاب جيل الإعجاب انجزوا عملا يتشبهون ــــــ ولا أقول يشبهون ـــــ بـ{معركة المفاهيم } للدكتورعبد الله شريط {1921 ــــ 2010}. وبالمناسبة فإن عمري بشير لا يرى سوى النظام الحرّ الديمقراطي نظاما سياسيا، لذا فهو يتهم دولة الاستقلال بانعدام الإيديولوجيا والرؤية السياسية الثورية؛ من أين له أن النظام الاشتراكي أو الشيوعي ليس نظاما سياسيا ؟ أين تُدرج الثورات الثلاث التي ميزت حكم الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله { الزراعية والصناعية والثقافية} ؟ أليس {الميثاق الوطني } وثيقة سياسية فلسفية لنظام سياسي؟ أليس كتاب { المزدكية أصل الاشتراكية} للشيخ عبد اللطيف سلطاني رحمه الله { 1902 م – 1984 م }عملا فكريا علميا سياسيا مناكفا مدافعا للنظام الاشتراكي؟
ــــ يدّعى عمري بشير أنّ كثيرا من الدارسين ينكرون عن ثورة التحرير صفة الثورة، ثم يضرب مثلا بخالد نزار وزير الدفاع الجزائري الأسبق : هل يعتقد أنه حسبنا أن يقول {إن كثيرا من الدارسين…} أن نُسَلّم بصدق قوله؟ لا يستقيم هذا لأسباب منها : ــــ أن من يجوز لهم هذا القول هم الراسخون في تخصصاتهم العلمية والمعرفية والأكاديمية ممن عُرفوا بالنزاهة والصدق ، وتحري الحقيقة. ولسنا نعرف لصاحبنا شيئا من هذا . لذا فهو مطالب بالدليل على دعواه .
لكن إن اعتقد ان {كُليمات } تائهات عن خالد نزار في برنامج تلفزيوني كافية للنزع والمنح ؟ فلْيُلِزم بهذا نفسه خاصة أنه مولع بهذا الأسلوب العقيم كما رأينا مؤخرا منه حين حاكم التراث العلمي والفكري للحكم السياسي الإسلامي المعاصر والحديث من خلال كتاب هامشي لا في العير ولا في النفير .
أما مقال “الفكر الحركي أو النسق المغلق.. نموذج المسيري وسيد قطب ” / 23/5/2022
فقد زعم أنه سيبرهن على انغلاق حركة الإخوان المسلمين في نظرتها للتاريخ كما يقول من خلال العلمين الكبيرين عبد الوهاب المسيري والشهيد سيدقطب، كونهما انتميا للحركة، ثم غادراها بالانفصال عنها أو بالموت .إذن يقول عمري بشير :” سنأخذ تجربتين رائدتين كاشفتين عن مؤشرات الفشل الأولى مكمنا ومسلكا في مصر حيث رأي هذا التيار النور أول مرة بداية القرن الفائت، والأمر يتعلق هنا بالمفكرين الراحلين عبد الوهاب المسيري وسيد قطب باعتبارهما نقيضين في الحضور بهذا التيار أولهما غادره مبكرا إلى الأدب والثاني التحق به متأخرا قادما من الأدب أيضا، وكيف انتهى كل منهما منتهاه.هل كان لفقدهما أثره في مسار تطور الفكر الاخواني خصوصا على مستوى الرؤية للتاريخ؟”
أولى الملاحظات : متى التحق كل منهما بالحركة ؟ يجيب عمري :” ولم يكن هناك من تيار جارف بالشارع الفكري والسياسي المصري أكثر من الاخوان، بيد أنه سرعان خاب ظنه فيه ربما بسبب خلفية الرجل الأدبية واتصاله مبكرا بسؤال الحداثة التي كان رنينها يأتيه من الأدب الإنجليزي الذي كان واقعا في غرامه واختاره كحقل تخصصه واشتغاله ما أضطره إلى الخروج من قوقعة حركة الاخوان والبحث عن الجواب الأيديولوجي لمسألة الهوية والوجود في تيارات أخرى كان أعمق من يوغل فيها ولا يزال التيار اليساري الماركسي” . إن كل قارئ للسيرة الذاتية للمفكر الكبير المسيري رحمه الله “رحلتي الفكرية” سيجد كلام بشير عمري أبعد ما يكون عن الحقيقة التاريخية؛ فالتحاق المسيري بالإخوان كان في مرحلة الصبا في مدينته دمنهور، لذا يصبح كلّ ما عنّى به عمري نفسه من استنتاجات وأحكام في هذا الصدد باطلة لا قيمة لها ، ولا يعتد بها مطلقا ؛ لأن تجربة بشير عمري التي رام من خلالها اختبار أثر انفصال المسيري عن الحركة، كان له أثره على الحركة كما يقول : ” من هنا يتبين أن بذور الفشل الاسلاموي في مشروع انبساطه في حياة الناس ومقدرته على أن يقودهم سياسيا وحضاريا كما ظل يسترشح به في خطبه وخطاباته، كانت وستظل كامنة في ذلك العجز عن التجاوز التاريخي التي يفرضها النسق المغلق لهاته الحركة” فهذا الحكم الكبير العظيم ليس لمقدمة المقال المنطقية صلة به من قريب ولا من بعيد؛ ببساطة الحقيقة وصحة التاريخ والوقائع : إن المسيري لازال حينئذ تلميذا بالمرحلة الثانوية، ولذا فإن قول بشير عمري :” هذا الانغلاق الذي ضاق به المسيري بعد اذ ذاق منه القليل في حياته، اشعره بأن الإسلام هو أوسع مما ضيقه الاطار الحركي الإسلامي الذي استبنى له نسقا فكريا ذاتيا” لا يعدو الوهم الذي أغرقه فيه تطلعٌ لريادة فكرية وثقافية وتحليلية ضمن رواد الأنساق والتحليل والتشريح الكبار او على رأي المثل التونسي { يبطى شوية} !!!
أما شِقُّ مقدمة أحكامه واستنتاجاته الثانية فقوله :” سيد قطب الذي التحق بحركة الاخوان المسلمين اعتزازا بالنفس بعدما لامه الرئيس جمال عبد الناصر على رئاسة تحرير مجلة الحركة”، يبني أيضا على معلومة واهية أوهى من بيت العنكبوت، إذا يرجع سبب انتساب الشهيد سيد قطب رحمه الله لحركة الإخوان اعتزازه بنفسه لمّا لامه عبد الناصر رحمه الله على رئاسة تحرير مجلة حركة الإخوان ! نلاحظ مفارقة عجيبة في سوق هذا السبب ؛ إذ كيف تمنح حركة بحجم الإخوان المسلمين أنئذ رئاسة تحرير مجلتها لشخص لم ينتم إليها تنظيما ؟ !
أما انتماء سيد قطب لحركة الإخوان فجاء على تدرج لاحت بوارقه الأولى في نص إهدائه لكتابه {العدالة الاجتماعية في الإسلام} : ” «الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديدًا كما بدأ يقاتلون في سيل الله فيقتلون ويُقتلون.»وانظم للجامعة ولعضوية مكتب الإرشاد سنة 1952 .
أما عن صلة هذا بأحكام المقال ونتائجه؛ ففضلا عن أوصام الإنغلاق والعجز في الرؤية للتاريخ ، فإنه لم يشرح للقارئ أثر سيد قطب في ذلك سلبا أو ايجابا، كلّ ما توصل إليه قوله :” لشهيد سيد قطب قد توقف قلمه عند كتب أخرى تدين الحضارة المهيمنة من خلال تجربته ذاتية كما كان الشأن مع مؤلفه الجميل أمريكا من الداخل أو أمريكا التي رأيت !” فالحكم ليس فيه أي دلالة على دور فكر سيد قطب في صناعة تلك النظرة بخصائصها السلبيةللحركة، وبالتالي أضحت نتيجة المقال مفصولة عن مقدمته، وهي بالتالى تفكير خارج قواعد التفكير المنطقي الاعتيادية البسيطة . غاية ما يفهم من حديثه عن سيد قطب حسب سياق المقال أن الحركة فقدت رؤية أرحب للتاريخ بإعدام سيد قطب الذي تفرغت كتبه الأخيرة لنقد الحضارة الغربية .
والحق أن هذا الحديث مدعاة للرثاء والغضب جميعا للاستخفاف بالوقائع والحقائق الفكرية المتاحة للناس جميعا ؛ فأين يمكنه إدراج كتب سيد قطب الآتي ذكرها : { معالم في الطريق ـــ خصائص التصور الإسلامي ومقوماته يجزئيه ـــ تفسيره العظيم في ظلال القرآن ــــ فضلا عن عشرات المقالات }؟ أما }أمربكا التي رأيت{ وهو العنوان الأصلي للكتاب فكتبه إثر عودته من أمريكا أي في الخمسينيات، وبقي مخطوط إلى أن نشر بعد إعدامه بعقود .
أما أثره رحمه الله في الحركة الأم والحركة الإسلامية فمن العمق والسعة والرسوخ تُطلب فيما كشفت عنه الدراسات الفكرية والعلمية والأمنية العربية والإسلامية والغربية .
إذن فإن بشير عمري لا يتحرى الحقائق التاريخية والفكرية، ويصدر سيولا من التقويمات والأحكام والنتائج التي تُضلل القراء الذين ينبهرون بكل ما يرضى عواطفهم الغاضبة الرافضة للواقع العربي والإسلامي المحزنين.
ويبدو أن عمري بشير استطاب ما يُكال له من مدح عبر مساحات التعقيب، فأمعن في ما يحسبه تصعيدا في مواجهة السلطة عبر متن }حراك !!!؛{ لم يكلف نفسه تفسير تقلصه رويدا رويدا إلى أن اعترضته السلطة بإجراءات قانونية ، لما آل إليه من تسيب وفوضى ورفع شعارات تستهدف مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الرئيس والمؤسسة العسكرية . لذا كثف من طرح مسائل ذات صلة به، وأخذ يشقق أحكاما وما يبدو له تعميقا لمذهب فلسفي حراكي جزائري، بنكهات نظرات في التنظيم السياسي،ومتطلبات العمل التغييري }}}الثوري }!!! واستخدام {الوعي} بسيولة مفرطة؛ لكن فتور الماء الذي يسبح فيه غَيّب عليه أن من واجب مخاطبيه عليه وأتباعه الحراكيين أن يحدثهم عن الوعي : مفهومه و مقولاته وسياقاته،و مرجعياته و نماذجه، وأسباب تحصيله و تعزيزه و تعميق النظر في أطره التنظيمية وأدواته المعاصرة جدا …
وبدلا من هذا جميعه أخذ يصطاد مهيجات نفسية واجتماعية وعرقية وجهوية، ويصعد بها سُلّمَ مجده {{الحراكي الثوري }}} وعلى كل أحواله فإنه لا يرى نفسه مكلفا بطرح الحجة القوية التي تستحق وصفها بالحجة والدليل الذي تُطأطأ عنده الرؤوس !!!
وندلل ها هنا بمقاله “ الجزائر: سنة على مقتل بن إسماعيل.. الحراك والخلل بين الوعي والتنظيم” 12/8/202 الذي اتخذ فيه الجريمة البشعة التي هزت القلوب والنفوس والمجتمع الجزائري قاطبة، { جريمة مقتل وحرق الشاب المغدور جمال بن إسماعيل } رحمه الله، ابن العائلة الثورية العتيدة، وبالمناسبة عمه خالد بن إسماعيل رئيس التنسيقة الجزائرية ضد التطبيع . تلك الجريمة التي قدرنا خطورتها بقولنا :” فالضمير الوطني اليوم أمام محك فيصل بين اختيار استمرار وطن حرره النضال والاستشهاد بفضل من الله تعالى، أو فتح بؤرالاضمحلال وفق مسارات كثيرة تفضى لنتيجة واحدة هي : جزاائر منقرضة في ذمة التاريخ، وإحلال جغرافي تفقد عناصر الكيان المنقرض معالم ماضيها شيئا فشيء.[ أنظر مقالنا : جريمة المصير ، موقع زاد دي زاد ـــ 19 أوت 2021.] قلت اتخذها مقاما لتنظيراته في الظاهر لكن تحليل المقال أفضى لدي إلى أنه يجهد لبناء مجد فكري وإعلامي بأسلوب طيّار سطحي لا يعتمد معطيات فضلا عن الوقائع، وتعمد التجاهل الاحتقاري للسياقات والظروف والأسباب، والشروط، و لكن بعزف اللحن الذي لا يمل من عزفه : {جزائر الاستقلال اليباب }، فهذه رسالة العمري البشير الوجودية !!!
وربما بدا له أنه من الفطنة والذكاء والألمعية أن يرواغ بعض من يعنيهم الأمر بنموذجه التفسيري لما يصفه بالوعي الحراكي الثوري ، وهي اللعبة السياسية التي لعبها أو لعبتها الجهة التي أحرقت بن اسماعبل رحمه الله تعالى . وفحوى هذا المقال و مقالاته {الروسيوية/ من جون جاك روسو}تنطق بالجواب ألا وهو { أن النظام هوصاحب اللعبة}!!! وهو ما تردده جهات عرقية وبعض{ المتعارضين } بالسباب والشتائم والوقوعفي الحرمات والأعراض .
قد يطالبنا بالدليل ؛ كونه لم يقل شيئا من هذا صراحة ! باختصار شديد فإن منطق منشوره هذا المتستر تحت قشور ألفاظه وجمله وأمثلته يفضى إلى أن الجريمة بحق جريمة سياسية ما كان لها أن تنطلي على الجزائريين لو تحلّوا بالوعيين الحراكيين الثوريين المجرد والعملي .
وعليه فمن الطرف المستفيد من الجريمة النكرة ومن انهيار الطبيبة و{المبدع الفذ لشعار الحراك } الذي هو في حقيقته شعار عدمي لا يراد به سوى إسقاط الدولة لا السلطة، والإفضاء للمجهول ؛ توحيدا لمشهد في المنطقة أريد لها تحت سقف الثورة ؟ ! الجواب على السطح انسجاما أيضا مع مشهد طروحات العمري النشير !!! . إذن النظام هو الطرف المستفيد من شروط الوعي الحراكي المفقودة أو المهملة !!!
يتبع