أجرت السيدة انيسة مخالدي حوارا مع الباحث زيدان مريبوط حول فكر مالك بن نبي في 06/3/2023 . وهو الباحث الجزائري السويسري والأستاذ بجامعة جنيف، ومؤلف كتاب «مالك بن نبي: أب التيار الإسلامي العالمي؟ من الملفات السرية للمخابرات الفرنسية» (دار نشر إيريك بونيي) الصادر بتاريخ 01/10/2020.
تناول الحوار مجموعة من القضايا منها : أسبقية أفكار مالك رحمه الله لعصره ، وبمن تأثر مالك فكريا ، وكذا ما أثاره مفهوم القابلية للاستعمار من ردود فعل وهجوم عليه . وصعوبة فهم فكره لدى العامة ، وسوء التقدير الذي ناله من أهله {بلده} ، وكذا التهمة الخطيرة التي تعرض لها خلال الحرب الثانية : التعاون مع النازية . و كذا أثر تنقل مالك وتعدد إقاماته على فكره. ثم ما بقي منه اليوم .
وبالمناسبة فقد صدر في الموضوع نفسه كتاب: “وثائق مالك بن نبي في الأرشيف الوطني الفرنسي”، للباحثين: رياض شروانة (طالب دكتوراه بجامعة السربون) وعلاوة عمارة (أستاذ التعليم العالي بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة)، الذي صدرت بالجزائر عن دار الهدى بعين مليلة سنة: 2020 ، ثم أعيد طبعه في دار الفكر بيروت في 2022 . ، وصدّر لها المفكر عمر كامل مسقاوي أكبر طلابه خدمة لفكر مالك رحمه الله؛ الذي توجه بمؤلفه المرجعي الكبير [في صحبة مالك بن نبي ]في جزئين،
وقد تضمنت إجابات الأستاذ زيدان مسائل ووقائع، لا تتسق مع ما تضمنته مؤلفات الأستاذ بن نبي، والمصادر المرجعية عنه .
وسعيا منّا للنقاش وإثبات الحقائق التي كثيرا منها بدهيات من سيرة مفكرنا ، تصديت لها في هذا المقال / الرد . خصوصا أنه جاء في صحيفة الشرق الأوسط العريقة بما تمثله من ثقل ومرجعية للقارئ العربي : ، وغير العربي بترجمة بعض المواقع مضامين ما ينشر فيها للغة الإنجليزية،
ومن العبارات المثيرة للتساؤل والمللاحظة :
1.يقول ضيف الشرق الأوسط”فقد اقترح [بن نبي ] على الجميع استجواب الذات”. أي جميع ينسب لمالك مطالبته باستجواب الذات ؟ المجتمع المتخلف، في وضعه الحضاري الذي كان حقل الباحث التغييري بشروط تخلفه المعروفة ؟ هل يُطلب من فاقِدٍ عطاءٌ ؟! ثم أي “ذات ” هذه التي يدعى مريبوط أنها موضوع تساؤل {الجميع} المجهول التعيين، والمتعابث معه كتلة بهذا الطلب؟ !وعلى حافة المسطرة العلوية ذاتها تُصَفُّ عناصر الإضمامة ذاتها “التفكير النقدي والمُسَاءلة الحضارية”.
أما مقولته”أرضية متينة مبنية على التعليم وإشراك المرأة والالتحاق بالزخم المعرفي والتكنولوجي لتحقيق تنمية حديثة ومستدامة”.فوسيع لخيمة بنات فكر بن نبي المباشرات؛ إذ هي على التحقيق الحقيق بمضمون خطابه، قد تُفهم على وجه المآلات لا على ظاهر الراوية ولا باطنها المباشرين ؛ فالنظرة المنصفة المتسقة معهما من خطابه تفضي إلى مستخلص أمين إلى أقصى حدود الأمانة مع تراث الرجل، أنه كان يهندس {جينوم حضارة العالم الإسلامي} بجينات ومورثات لمستقبل قوي ذكي آمن متوازن مبدع مبتكر، طموحه على مدى الإمكانات والطاقة التي حبا الله تعالى بها الإنسان ،مفتوحة المجال إلى مالا نهاياتها البشرية .
وعلى هذا يسع الباحث المتبصر أن يبحث مخبريا عناصر الحزمة التي وردت في عبارة الأستاذ مريبوط في الحوار، أما سوقها على مساقها هذا فهي نمط من مناغاة بل مُراضاة الرؤية الحداثية الغربية .
*أخطاء البداهة : فالبداهة هنا ممّا قُضِيَ من سير أعلام العلماء والمفكرين ومن في حكمهم، بصحة لا تحتمل غيرها . وقد تضمن الحوار من هذه الأخطاء ما يأتي ذكره :
أ.قول مريبوط :” وكان يجيد اللغات الألمانية والفرنسية والعربية، مما سهل بحثه وجعله أكثر «تعبيراً» عند الغربيين”!
لست أدري سنده الوثائقي العلمي في ” ألمانية” لسان مالك بن نبي! ؛ أما ما تضمنته سيرته في هذه “الألمنة ” فما تضمنته دفاتره التي تُلحق بمذكراته الشهيرة {شاهد القرن } بجزئيه : الطفل ثم الطالب . فقد حدثت “الألمنة” في سياق ظروف الحرب العالمية الثانية، وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية على مالك وزوجته، متساوقة مع خصيصته النفسية المصاحبة له ، التي تعكسها سيرته الذاتية، ألا وهي “التوجس” عالي الوتيرة، الذي يربطه دائما بثابت الاستعمار، و مرابضته أينما مكث مالك بن نبي ” مفكرا” ؛سواء أنتج فكرته أو يهم بها أو ينوي أن يفكر فيها أو يجسدها فعلٌ أو نشاطٌ، و حركة منبثقة عن ذلك كله.
يُحَدُّثُ مالك عن سفره للعمل في ألمانيا سنة 1943 أثناء احتلالها فرنسا:” … امضيت ثمانية عشر شهرا .في بدايتها استلمت عملا مرهقا في هذا المصنع الضخم… في نهاية ستة أشهر احترق إصبعي في المصنع، فعدت إلى الكامب الذي أقيم فيه للمعالجة، قرأت وتأملت القرآن الكريم، ولم أكن أدري أنني بدأت أنغمر في التحضير للظاهرة القرآنية [فاتحة اتاجه الفكري الذي لا يزال على رأس أهم ما كتب في موضوعه ]. كنت مراقبا من حيث لا أدري من قبل الألمان، الذي دهشوا لرؤيتي منعزلا في مسكني للصلاة وقراءة القرآن ” ، عمر كامل مسقاوي ، “في صحبة مالك بن نبي ” ج1، ص213.
فهل يتيح وضع مزري إلى هذا الحد للفراغ ، ليغدو لَسِنا ألمانيا بالمستوى الذي يتسق مع مَهَامِهِ فكر نيتشة الفلسفي ؟ !. وقد زار فانكفورت عام 1967وألقى بها محاضرة بالعربية. م.ن ج2، 1070
ب . يقول السيد زيدان أيضا : “ وكان يقرأ [مالك ] النصوص الفلسفية المعقدة لنيتشه وهايدغر باللغة الأصلية دون ترجمة” ! هل يقصد أنه كان ينتش {لغة نَتَشَ اللحمَ ونحوَه: جذبَه قَرْصًا ونَهْشًا}نصوصهما بأسنانه الألمانية التي اكتسبها من مجتمعِ مَصْنِعٍ ؟ أمّا هَصْرُ مُخِّ ” نيتشة” الفلسفي فقد كان كما قال ” اكتشفته مترجما م. ن ،ج1/134 ، وليس هناك ما يثبت أن هذا الهصر غير المباشر لفكر نيشته تحول لهصر مباشر .
جـ. الإقامة الأندونيسية : يقول السيد زيدان ميربوط :” إقامة بن نبي في كل هذه العواصم [الجزائر والقاهرة وباريس ]، إضافة إلى ألمانيا، وفي الدول الآسيوية، خصوصاً إندونيسيا، “
حسب المتوفر من المعلومات زار مالك بن نبي أندونيسيا مرتين هما :
ــــــ في مارس1955 ، كان بحكم مسؤوليته الرسمية مديرا عاما للتعليم العاالي [1964 ــــ 1967] مسؤولاً عن قيادة الوفد الجزائري إلى المؤتمر الإسلامي الأفرو آسيوي المنعقد في باندونج ، وألقى كلمة باسم الجزائر عن الجزائر. عبد الوهاب بوكروح، “حياة مالك بن نبي : / صحيفة الأمة بالفرنسية ، 7/10/2020.ـــــ يقول الدكتور مولود عويمر :”… هل زار مالك بن نبي اندونيسيا واطلع بنفسه على إنجازاتها، واحتك بنخبتها، فكتب عنها على ضوء مشاهداته، أم أنه سافر إليها فقط عبر الكتب والجرائد والمجلات؟ لقد تلقى مالك بن نبي دعوة من جمعية نهضة العلماء في بداية يناير 1966. وقد سافر يوم 27 يناير إلى جاكارتا عن طريق باريس. لكن اليوميات التي كان يسجّل فيها بن نبي خواطره وذكرياته لم تزد شيئا عن خبر سفره. ” ” اندونيسيا في فكر مالك بن نبي” ، موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، 27/9/2014 ومهما يكن من أمر فهي زيارة لا إقامة .
و نلاحظ أن السيد مريبوط منح بن نبي بطاقات “إقامة ” إضافية في الدول الآسيوية، خصوصاً إندونيسيا” ، فهل لديه معطيات جديدة تذكر إقاماته الآسيوية؟ على الرغم من الصعوبة البالغة لتأكيدها؛ لأن تنقلات وإقامات مالك بن نبي {في الجزائر : بلدتي النشأة تبسة وقسنطينة، وفرنسا ، والقاهرة، ومعمل الفحم في ألمانيا} مما بات من بداهة الضَعْنِ ، أمّا ما تبقى تَرَحُّلٌ {سوريا ــــــ لبنان ليبيا ـــ البقاع المقدسة ـــــ جاكرتا ـــــ الاتحاد السوفياتي ــــ الصين ومقابلته لزعيمها ماو تسي تونغ ــــــــ بريطانيا {ليدز} ــــــ نيويورك }، كلها ثابتة، وتنقلاته لغيرها لو حصلت لما خفيت .
أمّا قوله :” حيث أظهر فضولاً كبيراً تجاه الفكر الشرقي والغربي على حد سواء حتى سُمي بـ«الموسوعة المتنقلة”، فأبعد شيئ عن الرصانة الأكاديمية؛ فتعبير الموسوعة المتنقلة أدخل قول في حديث العامة تعبيرا عن الإنبهار؛ أما مالك فمفكر واسع الإطلاع عميقه، مبدع أصالة لا نسخا.
د. مدرسة العلماء : صدمة بديهة أخرى : يقول مريبوط :” تلقى [مالك ] تعليمه في مدارس «جمعية العلماء المسلمين» العريقة بقسنطينة في شرق الجزائر” ! البداهةالمصدومة هنا : هي دراسة مالك في المدرسة الفرنسية الوحيدة بمدينة تبسة مرحلته الابتدائية التي فصّل الحديث عنها في {الطفل}، وهي اليوم متوسطة / إعدادية ابن باديس تواصل مهمتها النبيلة عابرة الزمن، ببنائها الفرنسي المتين الممتع .وقبلها التحاقه بالمدرسة القرآنية على النحو المألوف في ربوع الوطن . وتمتد لتَصْدِم دراسته في مدرسة سيدي جلي الإكمالية في قسنطينة . ويقينا أن مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تظهر بعدُ؛ لأن الجمعية ذاتها لم تؤسس .
يعزو الأستاذ زيدان قلّة انتشار فكر مالك بن نبي دون تحديد جغرافي دقيق لأسباب هي : صعوبة فهم أفكاره ـــــــ اختلافه مع بعض قادة جبهة التحرير الوطني ــــ كتابته بالفرنسية غالبا وأحيانا بالعربية . ليأتي الفتح الأنجلوسكسوني إثر ترجمة كتبه للإنجليزية، بتعبيره “ أن الأمور تغيرت بعد أن تمت ترجمة أعماله إلى الإنجليزية، بعدها بدأت أعماله تلاقي نجاحاً كبيراً في الأوساط الثقافية الأنجلوسكسونية أيضاً.” . ويضيف لهذا أن سبق أفكاره زمنها أخّر “فهمنا ” لها حتى إلى ما بعد الأزمة التي شهدها العالم العربي والإسلامي في أواخر السبعينات[CM1] ” !
هنا أيضا ما يستحق الملاحظات :
ـــــــ السببان الأولان واردان إلى حدّ مقبول، وإن لم تُمْنَع كتبه في عهد الاستقلال باللغتين ، لكن لم تكن محل تشجيع رسمي على الإقبال عليها؛ لأسباب كثيرة أغلبها يندرج ضمن ما يسميه بن نبي ” الصراع الفكري في البلاد المستعمرة” أو “أولاد الاستعمار ” الذين خلّفهم . وهؤلاء مبثوثون في كل القطاعات والدوائر .
أما صعوبة أفكاره، فالمعروف أيضا أن مالك رحمه الله حرص على عرض أفكاره من خلال ندواته في بيته وفي بعض المحاضرات العامة على قلّتها في الجزائر . بل نجد خلال فترة الاستعمار عقدت ندوتان للعموم في نادي الترقي ــ في الجزائر العاصمة ــــ فيما أذكر ــــــــــــ حين صدرت “الظاهرة القرآنية” بالفرنسية، والأخرى بمناسبة صدور “شروط النهضة الجزائرية ” وقد سجلت الفعالية جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بنقاشاتها المثيرة .
أما مسألة الترجمة وما ترتب عنها من توسع دائرة القراءة جغرافيا؛ فمعروف أن جُلّ كتبه ترجمت للعربية بإشرافه الشخصي ، كما ذكر الأستاذ عمر كامل مسقاوي . كما ساهمت الكتابات التي ظهرت حول فكره خاصة بعد رحيله في تأنيس أفكاره للقراء ، واستمالاتهم لها.
أما بالنسبة للمتغير “الأنجلوسكسوني” هل نفهم من قول السيد مريبوط أنه كان نقطة التدفق لفكر مالك بن نبي في العالم الإسلامي بما فيها عالمه العربي ، أي أن القراء العرب انتظروا هذا التدفق من العامل “الأنجلوسكسوني” ليستفيقوا لفكر مالك بن نبي ؟ أحسب أن الحديث لا يخلو من غموض، والسيد مرببوط وحده الذي يملك إزالته .
*أغرب مايكون ؟ :هو زعم صاحب الحوار “بأن فلسفته حسب رأيي قد ألهمت أيديولوجية «الووك» السائدة الآن في أميركا وأوروبا، التي تهدف إلى تفكيك التهميش المبني على الثقافة والعرق والهيمنة الاستعمارية الجديدة.“!!!
نعبر عن إندهاشنا لهذا الزعم حدّ الغضب الساخر !
فالتأثير مستويات ، الإلهام أحد مراتبه العليا، وببسط خارطة مالك بن نبي الفكرية، ننظر أيُّ أفكاره تصلح إلهاما للحركة المذكورة ؟ أليسارية التي لا يكون وصم فكره بها إلا وهما وسذاجة. ” القابلية للاستعمار” ؟ ستكون هذه الحركة إذن حركة إستقامة فكرية وسلوكية . التيقظ لأساليب الإستعمار الفكرية ؟ ستكون أيضا الحركة جيوسياسية هادئة متينة مستجمعة للمعطيات لرسم الاستراتيجيات . أ التحرر من ربقة الاستعمار؟ ستكون الحركة شريفة مبادئا و وسائلا . أ إنسانية؟ ستكون الحركة جامعة للأعراق والأجناس وفق معادلات ومبادئ حقوقية إنسانية ذات عمق فلسفي وأخلاقي وفطري .
أ صرخة أخلاقية ؟ ستكون حركة مستقيمة أخلاقيا .
لكن ما هي الحركة وما هي أهم مواصفاتها؟ننقل ما تضمنه مقال “مشير باسل العون” في مقال تحليلي “ هل تصبح الصحوة الراديكالية أصولية يسارية جديدة؟/ اندبنمدنت عربية ، لندن، 21/10/2022
. ” تشتق مفردة الووكية (wokisme) من الصفة الإنجليزية ووك (woke) التي تدل على الإنسان المستيقظ الذي نهض من سباته.… الأيديولوجي الذي هيمن على الثقافة والمجتمعات الغربية، وخدّر في الناس حس المسؤولية والنقد والإصلا ح“.
المربك في الأمر أن مذهب الووكية المنتشر حديثاً في المجتمعات الأميركية والأوروبية تجاوز حدود المطالبة بالصحوة الفكرية، وطفق ينادي بالهدم المنهجي الشامل. انطلقت الصحوة اليسارية الثورية من معاينة المظالم التي تصيب الفقراء والمقهورين والمهمشين والمضطهدين، وما لبثت مطالبها أن تطورت وتضخمت حتى أضحت تنادي بإنصاف الأقليات، على تنوع التسميات واختلاف البيئات، وإقامة شرع انقلابي جديد يهدم كل ما سارت عليه البشرية وأقرته المناقشات الأخلاقية الناشطة في منتديات الحوار العالمي “.
” يعود أصل العبارة إلى الكاتب المناضل الأميركي بوكر تاليافرو واشنطن (1856-1915) الذي كان يحث المجتمع على إنصاف السود، محرضاً الجميع في كتابه “يقظة الزنجي الأسود” (Awakening of the Negro) على الإصغاء إلى محنة الأميركيين المتحدرين من أصل أفريقي وتعزيز مقامهم الاجتماعي الذي يليق بالكائن الإنساني.…”
“ترددت أصداء هذه الدعوة على تعاقب عقود القرن العشرين. وما لبث تيار الصحوة هذا أن استعاد زخمه بفضل الأغنية الشهيرة التي أطلقتها المغنية الأفريقية-الأميركية إريكا بادو (I stay woke). تحرض هذه الأغنية الناس على اليقظة الدائمة والاستعداد الحثيث من أجل مواجهة الأخطار التي تهدد حياة السود في المجتمع الأميركي، فضلاً عن ذلك، استخدمت الأغنية في تشييع ضحية العنف البوليسي مايكل براون الذي قضى نحبه في مدينة فرغسون عام 2014. استناداً إلى هذا النداء، انطلقت حملة التوعية التي جعلت شعارها إعلاء قيمة حياة الناس السود (Black Lives Matters) في الولايات المتحدة الأميركية وفي جميع المجتمعات الغربية التي ما برحت ترتكب جرائم التمييز العرقي”.
من جراء هذا كله، انبثق تيار أيديولوجي واسع استند إلى دعوة الاستيقاظ والصحوة، وطفق ينادي بضروب شتى من التحرير العرقي والجنسي والنسوي والاقتصادي والبيئي، معتمداً الشعار الرباعي الذي تناصره الووكية (LGTB: Lesbian، Gay، Bisexual، Transgender) في تأييدها المثلية الجنسية الأنثوية والذكرية، والثنائية الجنسية في التركيبة الجسدية أو الهوية البيولوجية الواحدة، والتحول الجنسي. لشدة الإصرار على مطلب المساواة، أخذ أصحاب هذا التيار يطالبون بإعادة كتابة التاريخ البشري، وتعديل مسلمات العلوم الإنسانية، وشطب الإحالات العنصرية، وتشذيب المعاجم من الاصطلاحات التي تضمر بعضاً من التمييز غير المتعمد. كل مفردة أو صفة أو أداة تصطبغ بالاستعلاء الذكوري يجب حذفها من قاموس اللغة”.
لكن يبدو أن هذا الاتجاه لا يعدم أنصارا حتى من بني جلدتنا؛ وهذا ما تؤشر له عبارة في مقال عنها يستنكر كاتبه العربي انزعاج ماسك / تيسلا و تويتر :” من الصعب تحديد ما يزعج ماسك في أيديولوجيا «الووك»،[ في تعليقه حول خسارة شبكة نتفليكس لعدد كبير من مشتركيها، أن «فيروس الووك Woke لم يعد من الممكن مشاهدته». مبدياً تأييده لاعتباره «أكبر تهديد للحضارة الإنسانية». أي الأفكار المرتبطة بسياسات الهوية، وتغيير الخطاب العام بما يتناسب مع «الصواب السياسي»، وحماية الذوات الفردية من أي عدوان كبير أو مصغّر،”. محمد سامي الكيال”حرية التعبير» على تويتر: هل ستغيّر خوارزميات إيلون ماسك ذواتنا؟/ القدس العربي، 25/4/2022
وبعيدا عن نفسية العبيد تحمل لنا الأخبار عن “ رون ديسانتيس” Ronald Dion DeSantis حاكم ولاية فلوريدا الذي أعلن عن ترشحه لانتخابات الأمريكية عن الحزب الجمهوري، والذي اشتهر بشن حرب على ما يعرف بثقافة “الووكيزم” wokism “وهو مصطلح ازدرائي يستخدم في الغرب للإشارة إلى سلوك ومواقف الأشخاص الذي يعتبرهم المحافظون شديدي الحساسية والإفراط في التفاعل مع قضايا الظلم الاجتماعي أو السياسي أو العرقي. قضايا الحرب الثقافية، لا سيما ما يصفه بـ “عقيدة الووكيزم”. بأن ولايته “هي المكان الذي تلقى فيه الووكيزم مصرعها” https://www.bbc.com › arabic › wo… 8 mai 2023 الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024: هل يستطيع ديسانتيس
ليدلنا مريبوط على منفذ واحد يتخلل منه فكر مالك بن نبي لهذه الحركة التي هي إحدى الموجات المتعاقبة في المحيط الحضاري الغربي بكلّ ما يموج على سطحه، ويسبح تحت مياهه، ويعتمل في أعماقه . ويكفينا السيد مريبوط مؤنة التخمين بأن يذكر لنا دليلا يُعتد بها علميا على هذا الإلهام والتأثر .
…
·