جريمة المصير!

د. محمد مراح

مُعلَم وكاتب جزائري أصيل مدينة تبسة .

16/08/2021

إثر الإنجاز السريع والنوعي  الذي حققته الشرطة القضائية اليوم في الجريمة { اللانسانية واللاحيوانية} التي أودت بروح وثّابة للخير والعون الاجتماعي في أسمى صوره، جسّدها الفقيد جمال بن اسماعيل رحمه الله وغفر له، وجمّل والديه وذويه بصبر ذوي العزائم من المؤمنين الصادقين . تكون مساحة واسعة من المأساة قد فُكّكت خيوطها، وأشّرت لكثير مما تبقى منها للظهور.

فالضمير الوطني اليوم أمام محك فيصل بين اختيار استمرار وطن حرره النضال والاستشهاد بفضل من الله تعالى، أو فتح بؤرالاضمحلال وفق مسارات كثيرة تفضى لنتيجة واحدة هي : جزاائر منقرضة  في ذمة التاريخ، وإحلال جغرافي تفقد عناصر الكيان المنقرض معالم ماضيها شيئا فشيء .

لعلّ ما علت به أصوات وطنية ذات أوزان تتفاوت في العمق التاريخي والسياسي والفكري والاجتماعي مؤشرا دالاّ شديد الدلالة على ما نقول: كيف ذلك : قد تكون في هذه اللحظات إزاء  المرّة الأولى في تاريخنا مذ الاستقلال قد عكست خطورتها الفريدة تمركز مضامين تلك الأصوات في النقطة المركزية التي تدور حولها الأحداث الوطنية منذ انطلاق الحراك، ألا وهي الخوف الكبير الجادّ من انفلات سبحة الوحدة الوطنية، وانفراط مكوناتها لكلّ وجهتها المجهولة المظلمة . وقد يكون بيان الدكتور احمد طالب الإبراهيمي الصادر اليوم قد لخص السألة ببساطة وعمق .

السؤال المطروح : ما المخاض الذي أنجب هذا الوليد النحس المشؤوم : الجريمة { اللاّنسانية واللاّحيوانية} ؟ لقد أسّس الجزائريون جمهورية بديلة عن جمهوريتهم الدستورية، هي {جمهورية فيس بوك الجزائرية الشعبية}  عمّروها بخير قليل وشرّ كثير، فاهدوا مخابر دراسات نفسية الشعوب وأمزجتها هديّة لا تُقدّر بثمن ، انتهت فيها  الأمور إلى [القول ما قالت {الفسبكة }].

في هذا الوادي الجهنمي صلا المجموع الوطني هويته وتاريخه وعرضه وأخلاقه وأنسابه  صنوف  العذاب المهين. فكّمُ الشحن العرقي فاق التصوّر فضلا عن المعقول، ممّا يؤهلنا لاسئهال واستحقاق صدارة الكراهية العرقية اللغوية في منطقة المغرب العربي دون ريب ولا منازع . وقد ساهمت الأحداث والوقائع السياسية تحديد خلال الفترة المذكورة في تحقيق هذه الرتبة التعيسة التي صنعناها لأنفسنا غاضبين وجذلين ، منشتين ومغتاضين . ومن الواجب هنا الإشارة إلى إسهام وسائل إعلام وطنية ، وكُتّاب باللغتين العربية والفرنسية في أشتداد أوار لهب الكراهية العنصرية واللغوية والدينية وتحديدا المعالنة الخبيثة بالتجديف ضد الإسلام  دين الجزائريين الغالب الأعظم الأعمّ . واستُخدم في هذا التجديف كلُّ حقير ورذيل من القول والوصف . وقد عمي المجدّفون عن الاعتبار من الفتنة الماحقة التي عشناها قريبا، من زاوية الحرب الجهنمية الشعواء ضد الإسلام بذريعة محاربة الإرهاب، ممّا قوى مركز وردود فعل المتحمسين والمغالين في الدين  .

إننا نجنى أشدّ الثمار مرارة في مسار وطني سلّم قيادته للعنف اللفطي والسياسي والعنصري العرقي واللغوي بضراوة سجلّتها المحطات السياسية البارزة في الفترة المذكورة : من { يرحلوا جميعا }  و{ لبلاد بلادنا ونديروا راينا} إلى دسّ رؤوس الشيوخ الطاعنين في السن في صناديق القمامة، وضرب وسب وإهانة النساء والمخالفين،  وما بين ذلك من كسر صناديق الانتخابات مهما كانت مواقفنا منها، وغلق مقراتها بالطوب والإسمنت .

هل لروح الفقيد جمال بن اسماعيل رحمه الله أن تٌثبّت أقدامنا الوطنية في نقطة المحك المركزية، فنقيّم إنجازنا العنصري المُخزي، ونضبط عناصر الحفاظ على جزائرنا الوطنية التي ولدها بيان أول نوفمبر، وسقتها دماء شهدائه الزكية؟

في الوضع فُسحة مُشجّعة إن صدق عزمُنا بتوفيق الله تعالى وفضله : قد يكون في تكثيف أوكسجين الروح الوطنية الغالبة على المجموع الوطني حصولنا على الطاقة الأعظم والأوفر لحفظ أمانة التاريخ النضالي والاستشهادي الذي آل إلينا من الوطنيين الصادقين المُلهمين .

لعلماء التزكية الروحية والسلوكية عبارة جميلة دالّة هي { التخلية والتحلية} ، فكيف نُنزلها على حالنا الوطنية ؟

يجب بدءا من مواجهة : آثار الجريمة { اللاّنسانية واللاّحيوانية} بالشجاعة المناسبة لبأسها المنذر بالمحق ؛ فلا نغتر بردود الفعل الإيجابية التي أثمرتها الصدمة ، وعمق اليقين والإيمان والخلق الرفيع الاستثنائي الذي جسدها والد الفقيد رحمه الله، وأهله الكرام. فهم قد اختاروا وجه الله تعالى ، وجزاء الآخرة ، ورسموا نموذجا مُعجزا في الوطنية واليقين والاحتساب والإيمان بقدر الله تعالى، وحسن عقبى الصابرين .

إن الفرح بهذه الروح الإيمانية الاستثنائية، يثقل الكاهل بواجب إنساني وديني ووطني حاسم في تقرير مصيرنا الوطني ؛ يقينا أنّ كاهل أهل الخير والحكمة والعقل والدين والوطنية ممن أُبتلوا يشراذم العنصريين والانفصاليين مواجهة آثار الجريمة، وشرّ الأشرار الماحق جميعا : أن يجمعوا أمرهم ورأيهم بالمعالنة الجماعية القوية بإدانة إزهاق نفس بغير حقّ، والاستعداد للتعاون مع الجهات القانونية الرسمية في كلّ ما يُحقق العدالة في هذا الجُرم من جهة، وسدّا لمساعى التحيُّل لتوجيه المسار القانوني وإجراءته بما يبطل قوة الجزاء المستحق شرعا وقانونا . وهو توجس مشروع . ولذا فلن يقبل الضمير الوطني إدانة هنا واستنكارا هناك، كأنما هي جريمة مما اعتاد الناس في عرفهم ما يلُمّ آثارها  .

 المنتظر من هؤلاء إعلان استراتيجية مواجهة البلاء الانفصالي الذي تمثله الشرذمة الإرهابية، بما يقدرونه ناجعا ، ولا أحسب أنه يغيب عنهم ربما الحرص على النسيج الاجتماعي المحلي  دون تقدير خطورة المرحلة التي صار فيها الوطن على محك الفصل في مصير وجوده أو انفراط حبات مكوناته .

 أما على المستوى الوطني فأعتقد أنّنا في حاجة لتطوير اتستراتيجية وطنية للوحدة الوطنية : من إجرائتها العاجلة تطويرو إعادة ضبط قانون الكراهية والتمييز بما يردع الخوافي التي تغذي هذا الوباء الماحق للوجود الوطني، فيُضاف لتجريم الدعوة الإنفصالية الدعوة للجهوية المُمهّدة إما للإنفصال ، أو لاستعلاء جهوي واستحواذ على مقدّارت البلاد، وتوجيهها نحو البيت الموعود .

كذلك ضبط وتوضيح وإثراء مصطلحات ومفاهيم قانون الكراهية والتمييز، سدّا لمحاولات التجيير العرقي أو الثقافي أو الاجتماعير والاستئثار بمنافعه، وردع الخصوم وترهيبهم . كذا توسيع أجهزة هيئة رسم مشروعاته وبرامجه لمؤسسات وطنية رسمية وشعبية كوزارات التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية وممثلين عن البرلمان بغرفتيه.

علينا أن نجلس مجلس التمليذ الذكي النجيب في قاعة درس التجربة الرواندية التي عالجت بها السبب الرئيس لمأساة حربها الأهلية التي التهمت نحو ثماني مائة مليون في حرب عرقية ضروس . أكتفى في المتن هنا بالإشارة إلى مسائل هي: اننا لا نطابق حالنا بحال أزمتها، لكن النُذُر من عواقبها تجوب سماءنا ، أن دستورها حظرالدستور استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، كما وجرم استخدام أي خطاب له طابع عرقي، ا بدأت هذه الخطة في تحقيق صدى إيجابي في المجتمع. وللأخذ الدرس كاملا و لنقرأ  عبر الرابطين  في الهامش* بتمعّن وتفاعل إيجابي مستحق السياسات الذكية والطموحة التي نفذتها، لتصير الآن من الدول الناشئة الواعدة بالتنمية والتطور. وتأد طاعون العنصرية والجهوية .       

  لنتأمل بروية وحكمة ، ونقرر مصيرنا برشد، فنرتقب توفيق الله تعالى لنا، وإلا سنكون من كفرة نعمة التنوّع الذي أنعم الله تعالى به علينا في هذا البلد: التنوّع الذي يُعد أحد أهم أسباب تطور أعظم دولة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية ، و تدأب   دول في قمة التطور والتقدم العلمي والاقتصادي على تحصيله بالتخطيط الرشيد والمال الوفير . إن كفرنا بهذه النعمة سنكون قد قررنا تقديم إنجاز الشهداء على مذبح أخس روح عرفتها الدول { العنصرية العرقية } ، فيدوننا التاريخ في أراذل الشعوب، أما جزاء الله تعالى يوم اللقاء فلا يعلمه سواه سبحانه وتعالى .

اللهم لا تخيب آمال مواكب الشهداء في خلفهم ، وأنر بصائرنا بأنوار دمائهم الطاهرة الزكية .

أمين أمين يارب العالمين.

___________________________

رواندا بين الحرب الأهلية و التحول الديمقراطي – المركز الديمقراطي … *

ورقة سياسات: التجربة الرواندية والاستفادة منها فلسطينيًا