العلوم الإسلامية الشعبة النشاز !

د. محمد مراح

مُعلَم وكاتب جزائري أصيل مدينة تبسة .

07/10/2023

حملت صحف وطنية موقفا للسيد وزير التربية والتلعيم  خلال جلسة برلمانية حول مطلب إعادة فتح شعبة العلوم الإسلامية في مرحلة التعليم الثانوي،خلاصة الموقف:”و عن إعادة شعبة العلوم الإسلامية في الطور الثانوي، قال الوزير أن “إعادة تنظيم مرحلة التعليم الثانوي في إطار الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية يرمي إلى اعتماد هيكلة تتماشى والتوجهات العالمية الكبرى”، معتبرا أن هذا الوضع “لا يستدعي إدراج شعبة العلوم الإسلامية في هذه المرحلة التعليمية وجعلها تخصصا جامعيا يتوجه إليه الراغبون في هذا المسار الدراسي !/ الخبر :5/10/2023

وهذا الجواب الصادم للشعور الوطني،  إذا كان النقل دقيقا يحمل من والغموض الغرابة والاحتمال والمحاذير، ما يستدعى استجلائها :

أما الغموض ففي الاستراتيجية الكبرى التي تنتهجها الوزارة  في إعادة هيكلة التعليم الثانوي، وفق التوجهات العالمية الكبرى  ،فما هي هذه التوجهات العالمية ؟ وهل هي سياسة تعليمية عالمية انضجتها ورعتها مؤسسات دولية عالمية كاليونيسكو مثلا ، وأصدرت بشأنها توصيات وتوجيهات ، للحكومات والدول الأعضاء بتطوير برامجها التعليمية الوطنية على ضوء مبادئها وأهدافها لتعليم تنموي مستدام ؟ على الأقل ما هو طاف على السطح أن الدول الكبرى خاصة منها المعروفة بجودة تعليمها ، تطوره وفق إراداتها الحرة، ووفق رؤاها الوطنية المستقلة ، وأهدافها التنموية الكبرى . فمثلا هل توجهات الصين أو الهند أو روسيا التعليمية متوافقة مع توجهات الغرب عموما ؟ وهذه دول  تتأهب إحداها  لاستلام موقع القوة الاقتصادية الأول في العالم ، و واحدة توجهها الأعظم يسير نحو أكبر دولة أمبراطورية عرقية في العالم ، والثالثة تخوض حربا شبه عالمية لزحزحة النظام العالمي نحو تعددية قطبية ، تحترم فيها اختيارات الشعوب وثقافاتها ودياناتها وشخصياتها التاريخية الحضارية . فهل يمكن للسيد الوزير أن يحدد لنا أي هذه التوجهات العالمية الكبرى التي ترعى وزارته إعادة هيكلة التعليم على ضوء هديها التربوي والقيمي ؟ 

كيف يستقيم هذا الموقف مع ملامح التوجهات السياسية الوطنية الكبرى التي ترافع بصوت مرتفع للتعددية القطبية،  واستقلال الدول في قرارتها الوطنية في تحديد توجهاتها ، ورسم سياساتها ؟ أعتقد أننا دفعنا ولا نزال ندفع باهض الأثمان نتيجة إصرارنا على  التمسك بهذه الرؤية الفارقة في عالمنا العربي على وجه الخصوص .

و لنشر إلى مسألة بدأت تأخذ مركزا وجوديا في المسألة الحضارية للغرب ؛ وهي ” المثلية الجنسية “، والتي خلقت مشكلات سياسية لدول مثل كندا والأن بلجيكا التي خرج آلاف المسلمين من مواطنيها والمقيمين القانونيين يحتجون على إداراج التربية الجنسية في المدارس ،فكيف نبنى استراتيجية تعليمية على المتناقضات : التوجهات العالمية الكبرى تعد المثلية الجنسية شرط استمرار الحضارة الغربية وقوتها الاقتصادية والثقافية والفكرية ، ونحن يقينا لا نفكر في تضمين منضومتنا التربوية والتعليمية هذا الأمر  على نحو صريح؟ لكن تبنى رؤية عالمية كبرى كما صرح الوزير ، والراجح أنها غربية تقتضى بناء مفردات برامج التعليم الثانوي حاملة فيروسات التوجهات الفكرية والفلسفية والأخلاقية للنموذج الاجتماعي المتوخى ؟ وهنا سنتسبب في صراع نفسي للطلاب المراهقين سيكون مدمرا لا محالة .

أما الغرابة ففي قول الوزير :” معتبرا أن هذا الوضع “لا يستدعي إدراج شعبة العلوم الإسلامية في هذه المرحلة التعليمية وجعلها تخصصا جامعيا يتوجه إليه الراغبون في هذا المسار الدراسي !

فهل نغلق الجامعة الإسلامية وكليات الشريعة وأقسامها في الجامعات الإسلامية؛ لأن التوجهات العالمية الكبرى لا تطيق وجودها في عالم التعليم والتخصصات الجامعية ؟

إن التعليم شأن مجتمعي في المقام الأول؛ ترسم سياساته بإرادة إجتماعية ، وخبرات وطنية ، ورعاية سياسية عليا ، فكيف أجاز الوزير لنفسه الإفتاء في شعبة علمية عميقة الجذور في المجتمع ، وأحد أبرز عناوين عنصر الإسلام الأكبر ضمن عناصر وأركان الهوية الوطنية ؟ وبمعايير علمية  لا يفتى في العلم إلا أ هله ؛ ولهذا وبمقتضى حساسية الدين اجتماعيا أن يستشير الوزير أهل العلم به، والهيئات الدستورية المؤهلة للبت في تبوء العلوم الإسلامية مكانها الطبيعي في مراحل التعليم ، وإعادة حقها الذي سلب منها تحت وطأ ة الصراع الأيديولووجي .

أما محاذير هذا الموقف الصادم  فتتجلى في الآتي ذكره : هل راعى الوزير الشعور الاجتماعي حين يتلقى هذا التصريح؛ فيقارنه بشعبة الفنون في التعليم الثانوي؟  ومنها أيضا وضع هذا الموقف في سياق الجهود التجميعية ، وبعث الطمأنينة النفسية الكبيرة التي يقوم بها السيد رئيس الجمهورية ، والمكانة التي تحتلها ترقية المعرفة الإسلامية في مسالك علمية أكاديمية تحفظ على المجتمع هويته المرجعية التي تحاول النحل المذهبيةافتراسها ومحوها بسياسة الأمر الواقع، فما  نوع الرسائل المتوقع أن يرسلها هذا التصريح الغريب للمجوع الوطني  ؟

ولنسأل الوزير : ما المسافة بين موقفه هذا والمواقف الأيديولوجية الصامدة في مناكفة استواء العلوم الإسلامية على كرسيها الشرعي في المنظومة التربوية الجزائرية ؟