يبدو أن الجموح العنصري العرقي أعمى الزاوي عن كل تعقل؛ أثار ال “ـــ الكراهية عبر احياء الفتنة الماحقة في قوله :” لكي نحمي البلد والجيل الجديد من الإشعاع الأيديولوجي والأخلاقي الخطير للإرهاب الديني، كان ضرورياً بل، ومن الأولويات الثقافية والسياسية، التفكير في إنشاء متحف خاص يخلّد “صورة جحيم” هذا الإرهاب الإسلاموي، الذي خلّف حوالي ربع مليون ضحية، إضافة إلى الملايين الذين يعانون من تروما مدمّرة، خلفّتها المشاهد الدموية والحكايات المرعبة، والعيش اليومي القاتم والمميت.
كان لا بد أن تدخل الجزائر الألفية الجديدة، بإقامة متحف تاريخي يرسم بدقة تفاصيل المأساة الدموية التي عرفتها البلاد ودامت عشر سنوات، وهو عمر أطول من عمر الثورة الجزائرية.ــ 1
للنظر في هذا اللوثة العقلية والنفسية، وخباياها المدمرة :
ـــــ أثار بعض الدارسين والكتاب مسألة المصالحة الوطنية من نواحي حقوقية وسياسية، لكن لا أحد أوحى له شيطانه بهذه الفكرة المدمرة؛ بكل المعايير؛ النفسية: الفاصل الزمني بيننا وبينها قصير جدا؛ فهي بنت الأمس، و جروحها لا تزال تنزف في القلوب والنفوس لدى الأطراف الرئيسة؛ نظرا لبشاعة أحداثها .وبالمعيار النفسي الاجتماعي، فإن المزاج الشعبي الغالب يرفض نفسيا مجرد التفكير في المأساة.
ومن الناحية السياسية : فمعطيات الوضع السياسي، لا تشجع على فتح الملف مجددا؛ نظرا لتصحر الساحة السياسية خلال العقدين الماضيين، وما نجم عنه من ضمور كبير في الكفاءة السياسية سواء زعامات الفردية، أو هيئات.
ومما نعلمه من انحراف السياسة عندنا، فلو جسدت فكرتك الشيطانية، لاستغلت استغلالا يليق ب{جلالها} من قبل عصب المال والسياسة،ولتحولت إلى مشاعل إبليس تهدد بإعادة إشعال الفتنة العمياء حينا وحينا .
أما بالمعيار الاجتماعي ، فإن البنية البشرية التي انخرطت في الفتنة عمليا {قاتل ومقتول} ،وطبيعة العلاقات بينها{ عائلية ، ونسبية، وجيرة، وصداقة وغيرها مما هو معلوم }، ستؤدى كل محاولة استرداد لأحداثها المريعة إلى ردود أفعال الله وحده العليم بعواقبها .
يضاف لكلّ ما سبق من براهين؛ معامل مؤثر ذو صبغة شرعية إسلامية وعرفية؛ يعالج القرآن الكريم النزاعات المسلحة بين فريقين أو أكثر من المسلمين :”( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( الحجرات /الآية : 9 ) ) ،
يقول الإمام الجليل الشيخ محمد الطاهربن عاشور رحمه الله في بيان أحكام هذه الآية العظيمة :”قال أبو بكر بن العربي : ومن العدل في صلحهم أن لا يطالبوا بما جرى بينهم مدة القتال من دم ولا مال فإنه تلف على تأويل ، وفي طلبهم به تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي وهذا أصل في المصلحة اهـ2ثم قال : لا ضمان / تعويض عليهم في نفس ولا مال عندنا ( المالكية ) ” .التحرير والتنوير ج27
وفي هذا الصدد نثير المسائل الآتي ذكرها :
تناولت دراسة مركز كارنجي محاولة بن غبريط نورية إدراج المأساة الوطنية في البرامج التعليمية المدرسية؛ ثم راحت الدراسة تحلل مخاطر الاستمرار في ما سمته الرؤية الأحادية للمأساة، وتوقعت أن هذا المسلك “مع مرور الوقت، سيكون لدى النظام الجزائري حافزٌ أقل لرفع الحظر عن ذكر سنوات الحرب الأهلية، لكنه سيتكبّد ثمنًا أكبر من جرّاء ذلك. فهو إذ يُمعن في حرمان الجزائريين من الوسائل التي تخوّلهم ممارسة النقد الذاتي عند التفكير في ماضيهم، إنما يمهّد لاندلاع مواجهات سياسية متجدّدة حول الذاكرة التاريخية. لكن سيصعب على الدولة فرض التعتيم إلى أجل غير مسمّى على مادة التاريخ في حال طُبِّقت برامج مماثلة لتلك التي اعتُمدت في يوغوسلافيا السابقة، ولا سيما أن هذه البرامج تساعد على تجنّب الغرق في دوامة الذاكرة الانتقائية والذكريات المجتزأة لما حدث في تسعينيات القرن الماضي، ما يسهم في التوصّل إلى فهم مشترك للأحداث وترسيخ أُسس السلم الأهلي. إن التأمّل في ما حدث من دون قيد أو شرط هو الخطوة الأولى على مسار التصالح مع التاريخ، ولا سيما التاريخ الأليم.”، وعرضت قبل هذا تجارب إيجابية لأحداث مأساوية سابقة {مأساة البوسنا والهرسك،وجنوب إفريقيا} ، قدمتها نموذجا مناسبا للجزائر توقيا لمخاطر ما وصفته بالذاكرة الانتقائية . 3
التعليم في الجزائر: حذارِ من ذكر الحرب. دالية غانم. 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. المصدر: Getty. ملخّص: فوّت قطاع التعليم
إذا جمعنا الرؤى الثلاث {الزاوي وبن غبريط، ومحللة كارنجي داليا غانم} نجد أنها صنفت المأساة تصنيفا مضللا ، ينسجم مع أهداف أيديولوجية {الزاوي وبن غبريط}، وسياسية دولية {كارنجي}؛ فلم تنشب حرب بين عرقيات ولا مناطق ولا اتباع ديانات و لا مذاهب دينية إسلامية ، بل هي في جوهرها احتجاج عنيف على إجراءات سياسية عنيفة مناهضة لقواعد الديمقراطية المتفق عليها ، وفي سياق تطور مأساوي للأحداث تحولت لمواجهة مسلحة ، صاحبها على المستوى النظري خطابات عنف،من أحد طرفي المأساة المباشرين،وفق مقولات دينية معينة، وتبنى السلطة لخطاب ورؤى التيارات اللائكية والشيوعية وفريق من التيار العرقي الجهوي ، وسيول جارفة من الصحف المفرنسة اللائكية الاستئصالية، وجد صداه من صحف الحزب الإسلامي الرئيس ، التي كانت تهاجم السلطة ورموزها واختيارها والجهات المساندة لها، فإن الصحف اللائكية والمفرنسة والشيوعية والعرقية تجاوزت بحربها إلى حرب كاسحة ضروس ضد الإسلام والعربية والتاريخ الوطني، والمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها ومناهجها تتهمها رأسا بصناعة الإرهاب والإرهابيين، وهم ما لايزال بنعق به الزاوي كما رأينا .
إذن المأساة الوطنية ليست حربا أهلية ولذا فإن حلول مركز كارنجي ونماذجه أبعد ما تكون عن الموضوعية، بل هي مغرضة تستخدم الاستدراج، والترهيب النفسي من المستقبل، لأغراض تتسق مع سياسات المركز الموجهة نتائجها وخلاصاتها كما هو معروف إلى مراكز القرار في الولايات المتحدة، وتحديدا إلى الأطراف الداعمة للكيان الصهيوني منه .
أما تائهنا الجاهل؛ إن ما عده اقتراحا إنما هو على وجه قلبته فستجده إما حماقة أو سكب دلو بنزين على حالة الغليان الشعبي في أشد مراحله الحرجة وأوج عنفوانه؛أي تاريخ نشر المقال { 7 مايو 2019}الذي تضمن الذعوة لهذه الجريمة الماحقة، تحيي في النفوس الأحقاد والإحن، وتقسم الحراك الذي مازال منسجما مع مطالبه السياسية النظيفة، في منأى من التأثير المباشر لقوى سياسية أو أيديولوجية، التي تمكنت لا حقا من اختطافه، وتحويله عن غاياته ومساره الأصيل .
هل من يقول :”متحف تاريخي يرسم بدقة تفاصيل المأساة الدموية” له أدنى ذرة من حس اجتماعي فضلا عن أخلاقي ، يقدر بها العواقب المدمرة، للأجيال الحالية والقادمة تعرض عليها أهوال المأساة ؟!
وعلى ضوء خطاب الزاوي الذي رأينا وحللنا وفضحنا، لا أستبعد أن يكون أحد عناصر المخطط العرقي اللائكي المدعم من فرنسا، لترسيم وتأبيد الإسلام وشريعته واللغة العربية المسؤولية كاملة عما جرى، والمتحف منتصب تؤمن محتوياتها التي لا شك أن تصميمها وانتقاءها سيكون بعناية دقيقة تنسجم مع الهدف المذكر، وتترسم صورة
{ الغزو العربي الإسلام، ودين القتل والسبي والدمار} الذي فعل بكم عند غزوه بلاد البربر في القرن السابع الميلادي، هو هو الذي فعل بكم ما عشتموه وتعرفونه في القرن العشرين !!!
لعنة أخرى يضخم بها الزاوي ملفه الأسود الشنيع في مقارباته الشأن الوطني {ثقافيا وفكريا }! :
وقد يكون مناسبا ضم الفقرتين الاتيتين لمقترحه التعيس، ثم نوسع نطاق رؤيتنا لأهدافه :
الاحتفاء بالقرآن الكريم والعلم الوطني والنشيد الوطني ذل مغلف في انتصار كاذب؟؟
“لم يعد خطاب الوطنية الزائد في الحماس والفروسية السياسية ليقنع الجيل الجديد، فالناس لا تتعشى بالعلم الوطني ولا تشرب الأناشيد الوطنية ولا تتغطى بالآيات القرآنية، الجيل الجديد الذي وجد بين يديه الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لا يريد أن يعيش كما عاش الآباء تحت الذل المغلف في انتصار كاذب” .4
ثم الكراهية بافتراء الكذب والطعن في النشيد الوطني :” … إننا نسبّ فرنسا الاستعمارية في نشيدنا الوطني كل يوم، ونحن ننشده بوطنية جياشة في الأعياد الوطنية والأعياد الدينية وفي الملتقيات العلمية الأكاديمية، لكن حقوق هذا النشيد الوطني الذي نسبُّ فيه فرنسا الاستعمارية مسجل في (ساسيم) الشركة الفرنسية لحقوق المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى، فكلما شتمنا فرنسا الاستعمارية من خلال النشيد الوطني بحماسة تقبض فرنسا المعاصرة مالاً من خزانتنا أنشدناه كثيراً وشتمناها أكثر أخذت مالاً أكثر” .ــــ كافاكا م.س
فأهم ركائز ومظاهر الهوية الحضارية والشخصية الوطنية للجزائريين : القرآن الكريم ، العلم الوطني ، والنشيد الوطني، مصادر فخر جيل الآباء، بطبيعة الحال في فترة الإستقلال!!!
أما نشيدنا الوطني فسب لفرنسا ؛ والعبارة حقيرة ، تكاد تبرئ فرنسا من جرائمها ، وتدين الثورة والجهاد والمجاهدين .
مجموع هذا الفجورالفكري يؤكد الأهداف الاستعمارية المفضوحة لرسالة الزاوي : تحقير ودوس وتسفيه عناصر الهوية الوطنية الأساس والجامعة التاريخية للجزائريين { الإسلام والعربية وثورة التحرير الكبرى والعلم الوطني}، ومن ثمة تهيئة الأرضية لمشروع {تمازغة الكبرى وفق الصيغة التي تحدثنا عنها في مقالنا { معنقة الزاوي : الفيدرالية الجهوية مع اليهود والأقدام السوداء} .
هوامش
1 . الزاوي “أ متحف للإرهاب” في الجزائر… حتى لا ننسى زراعة الموت! انديبندنت، 7/5/2019
2 . ابن عاشور “التحرير والتنوير “ج27