من أبرز الغزاوت البربرية الفاشية التي شنها التيار اللائكي بفصائله خلال العقود الثلاثة الماضية شن الحروب الضارية على التربية والتعليم مناهجا ومضامينا ومؤسسات وهيئات ومعلمين، وتشريعات. يرمز لضرواتها ، وحقدها وكراهيتها ، واستعداد أصحابها ارتكاب أبشع الجرائم ؛جريمة بيع أسئلة البكالوريا أمام الثانويات في التسعينات خلال المأساة الوطنية، ترهيبا لمشروع المدرسة الأصيلة الذي قاده وزير التربية في سنوات اللهب وقطع الأعناق على بن محمد .
وكلما واتت ظروف ما التيار الاستئصالي اللائكي المقاول لفرنسا تحديدا ، شحذ خناجره الآثمة مجددا للطعن في هوية الأمة المستقرة عبر قرون منذ الفتح الإسلامي، مبتغين الثأر منه ومن منظومته الحضارية، عبر جسم التربية ومنظومتها في الجزائر .
وخطاب أمين الزاوي في هذا الباب يندرج ضمن هذه الحرب، هو لا يكاد يضيف شيئا ذا بال، بل قد يكون ما يعتقده فكرا مدعاة للسخرية والتفكه على الغباء؛ ولولا الاعتبارات السابقة ماكنّا لنقف عنده. فالحرب على المدرسة الجزائرية تتجدد كلما توفرت ظروف سياسية لإيقادها، ومهما يكن فسوف نرى الأعواد التي ألقى بها التعيس في نار الحرب هذه .
لنبدأ بفاتحة الغباء :
تلاميذ المدارس الابتدائية مناضلون في أكبر حزب إسلامي ؟ : هذا نص الزاوي الذي أعماقه حقده، فوقع فيما لا يقع فيه أبعد العوام عن الفكر والثقافة والفن ؛”” إن المدرسة، وحتى قبل الاعتراف بالتعددية الحزبية وجوازها، كانت الحزب الإسلامي الأكثر تأثيراً في السياسة والمجتمع وفي الفرد والجماعة، وهي الحزب الذي يجمع أكبر عدد من المنخرطين، أزيد من 10 ملايين منخرط ومتعاطف وصديق، والعدد في تصاعد مستمر” 1،فهذا العدد هو عدد التلاميذ الذي ارتفع الآن لنحو 12 مليونا، وليس المعلمين والأساتذة والإداريين، وغيرهم. ما هي إنجازات هذا الحزب التربوية ؟ يعرضها لزاوي على أنها حرب في مستوى الحرب العالمية الثانية بطريقته السريالية رغم أنه لم يكن يوما ما أديبا سرياليا، إنما سرواليا سريريا مرحاضيا.
فأعظم دمار تعرض له المجتمع ، ولا يزال مستمرا كان على يد هذه المدرسة بأيديولوجيتها النازية ! يقول ” إن المجتمع الجزائري، شأنه شأن المجتمعات العربية والمغاربية، لم يتم تطعيمه بأيديولوجيا التعصب والإسلاموية من طريق الأحزاب السياسية، فتلك أثرها محدود جداً، وإنما تم ذلك أساساً وبشكل عميق من طريق البرامج المدرسية المتطرفة والمعمّمة، فأمام ما تقوم به المدرسة من تشويه للعقول يبدو عمل الأحزاب السياسية الإسلامية على اختلافها شكلياً وبدائياً … إن المدرسة الجزائرية، وهي في ذلك لا تختلف عن مثيلاتها في الدول العربية والمغاربية، تشبه من حيث هيكلتها إلى حد ما، النظام الأيديولوجي الذي قامت عليه النازية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لأنها مدرسة مخترقة من قبل حزب “الإخوان المسلمين” الذي يشبه حزب النازية في تراتبية”2 لم يشعر المفتري بأي حرج على أنه مطالب بتوضيح هذا الابداع في تشخيص المشكلة التربوية والتعليمية في العالم العربي. ما هي هيكلة المدرسة الجزائرية النازية ؟ : إداريا : المدير ــ المراقب العام ــ الناظر ــ المراقبون التربويون . تعليميا : المعلمون والأساتذة .أين تكمن النازية في هذين المكونين ؟ يقينا أن كاتب هذا الهذيان لم يكن في وعيه .
أيضا إن استسهال تعميم الأحكام كثيرا مايجعل صاحبه موضع سخرية حينا وتحقيرا حينا آخر، وتعنيفا يناسب صفاقته ثالثة : ما هي الخبرة التربوية الأكاديمية والميدانية التي أهلته لتعميم هذا الهراء؟ لا شيء بالطبع إلا تقديم فروض الولاء الذليلة لمن يهمهم الأمر! فأنظمة التربية والتعليم في العالم العربي متباينة، نظرا لأكبر عامل مؤثر في هذا التباين ألا وهو النموذج الغربي المطبق في كل بلد؛ وهما نموذجان اثنان في الغالب : الإنجليزي في دول المشرق العربي، والخليج العربي، والفرنسي في بلاد المغرب العربي، مع فروق في خصوصيات كل بلد، فضلا عن أثر نوع النظام السياسي لكل بلد .
وقد حصلت في السنوات الأخيرة في بلدان الخليج العربي على وجه التحديد تطورات كبيرة في نظم إدارة التعليم ومناهجه ووسائله، ومهاراته، إذ تستفيد من التجارب العظيمة لدول أبدعت إبداعات عبقرية في هذا الميدان : الولايات المتحدة ــ اليابان ــ ألمانيا ـــ فنلندا وهكذا .
أما وصفه لهذا النظام الإداري التراتبي بالنازي ، فعمّن ورثناه في بلاد المغرب العربي ؟ أليس من فرنسا، إذن غباؤه وحقده على الهوية العربية الإسلامية للتعليم أردياه في ورطة عويصة؛ إذن النظام الإداري الفرنسي نازي. ثم أليس هذا النظام التعليمي الذي نقلد فيه فرنسا !
والذي عملت قدوته الوزيرة بن غبريت على توريط التعليم فيه إلى عقود طويلة قادمة، مما يجعلنا رهينة التخلف الذي آلت إليه فرنسا ولغتها التي ترتعد فرائسه وردفاه فزعا كلما تكلم أحد عن الانتقال إلى لغات العلم والإبداع والابتكار.
إنه حقود أعماه الحقد فصار ينظر للنظام التربوي كله من زاوية اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ أي مواد الهوية التي خاض التيار الاستئصالي اللائكي والمتفرنس أعنف المعارك والمؤامرات للإجهاز عليها ، أخرها { الظاهرة الغبريطية} وقبلها لجنة بن زاغو التي اقترحت تدريس كل الديانات لأطفال مجتمع مسلم 99 بالمائة، وتدريس العامية مرحليا ريثما يقضى على العربية ، ويخلو الجو لمعشوقتهم الشمطاء الفرنسية.
إن مداركه لا تزيد عن مدارك العوام رواد المقاهي وجلسات الثرثرة واللغو الفارغ :” أيديولوجياً تتولى المدرسة الطفل من سن الرابعة إلى الـ 18، من مرحلة المدرسة القرآنية مروراً بأطوار التعليم جميعها وصولاً إلى شهادة البكالوريا، وفي هذه المسيرة التربوية التي عمرها 14 سنة تقريباً، يتعرض عقل التلميذ إلى غسيل دماغي، هدفه شحن جاهزية المتعلم بأيديولوجية أعرق حزب إسلامي، وهو حزب “الإخوان المسلمين”.
ففي المدرسة يتعلم الطفل رفض العلمانية ويعتبرها زندقة وكفراً، وفيها يتعلم بأن الديمقراطية متعارضة مع الإسلام، وفيها يتعلم بأن حقوق الإنسان العالمية معادية لمبادئ الإسلام، وفيها يتعلم الخوف من الآخر ورفض العيش المشترك مع معتنقي الديانات الأخرى في العالم، وبهذا التكوين يصل الشاب إلى هذه الأحزاب “قنبلة” بشرية جاهزة للانفجار في أي مكان وأي وقت، ومستعداً للانتحار “الداعشي” أو “الإخواني” 3.
” التيار الإسلامي ممثلاً في الإخوان المسلمين الذين وضعوا اليد على المدرسة أولاً، وهو التيار الذي يعتبر كل ثقافة جزائرية بغير اللغة العربية هي ثقافة “كافرة” تهدد الإسلام، وهي صوت الاستعمار الجديد “حزب فرنسا” 4.
فهل هذا تقييم يصدره من يوقع كل مقال من مقالاته بالكاتب والمفكر؟ إن نقلنا الهراء إلى هذا الحيز لكشف المخطط الذي تعمل ضمن هيئاته وتنظيماته السرية والعلنية، مدعاة للخجل؛ سفاسف القول، وأكاذيب التهم، وحمق الاستحماق . لكن ناقل التعهر ليس عاهرا بالضرورة .
” ففي الجزائر مثلاً، كما هو في كثير من دول شمال أفريقيا والمشرق، تمكن الإخوان المسلمون من مفاصل المدرسة منذ السبعينيات، فأسسوا شيئاً فشيئاً جبهة معادية للثقافة والفن ولكل ما يمكنه أن يجعل المتعلم إنساناً متوازناً وقادراً على التفكير والإبداع “5. مجددا أيضا لم يحدد بالضبط ما هي{ كثير من الدول } هذه، و راح يعمم تاريخ ما يعتبره ظاهرة تسببت في أعظم مشكلة تربوية على بلاد العربية قاطبة، رغم أن عامل واحد من بين عوامل كثيرة يركل صفاقته إلى وادى الأوباش السحيق ، ألا وهو استقلال كل دولة، وتاريخ التعليم المعاصر فيها، وتباين أنظمتها السياسية .فمثلا هل كان العراق وسوريا البعثيين يسمحان للإخوان بوضع اليد على التعليم؟ هل كان بورقيبة يسمح بذلك في تونس؟ هل كان المغرب يسمح به، وهو المحافظ على خصوصياته التعليمية، وأطره التربوية ، هل كل لبنان المسيحي الإسلامي يأذن بهذا ؟، بل هل كان اليمن الاشتراكي الشيوعي يفعل ما تدعى،بل حتى مصر معقل الإخوان المسلمين الأصلي كان معلموها وأساتذتها من مختلف المشارب الثقافية والفكرية والسياسية والعقائدية ، حتى الذين درّسوا في الجزائر منهم الغالبية الساحقة لا صلة لهم بالإخوان بل ربما كانوا من أشد أعدائهم، وقد كانت السلطة الجزائرية في ذلك الزمن متشددة في انتقاء الأساتذة من الناحية السياسية والأيديولوجية، فكل الأساتذة والمعلمين المصريين فضلا عن السوريين الذين درّسوا في مدينتي تبسة منذ السبعينيات حتى الإكتفاء بالأستاذة الجزائريين لم أعرف أستاذا واحدا ينتمى إلى جماعة الإخوان، عدا ربما متعاطفين معهم فيما يقع عليهم خلال الصدام في عهد عبد الناصر. لست أدرى أحُمق هذا منه أم استحماق ؟
واللطم المعنوي من أفضل ما يصفع به الأفاكون الكاذبون المفترون، أوجه للزاوي نيابة عنهم هذه اللطمة المعنوية ، بقلم الدكتور عثمان سعدي أطال الله عمره وبارك فيه ، شوكة في حلوق العنصريين البربريست ” أما عن المعلمين المصريين، فقد طلب سنة 1962 حبيبُ اللغة العربية أحمد بن بلة من جمال عبد الناصر مدَّ الجزائر بمعلّمين مصريين للمساهمة في تعريب التعليم في الجزائر، فأمر عبد الناصر بأن يُختار خيرةُ المعلمين لإرسالهم إلى الجزائر، وبأن يستمرّوا في تناول مرتّباتهم في مصر حتى يتركوا عائلاتهم بها تجنُّبا لتكليف الدولة الجزائرية بأعباء السكن العائلي، وأدى هؤلاء المعلمون دورهم مع إخوانهم من سائر الأقطار العربية التي هبّت نتيجة لاجتماع اتحاد المعلمين العرب في بيروت سنة 1963 من أجل مساعدة الجزائر في التعريب، وقد ترأس وفدَ الجزائر المرحوم علي مفتاحي من وهران
الذي طلب باسم الجزائر معلمين لمساعدتها على تعليم اللغة العربية في المدارس الجزائرية، وهبّ المعلمون من سائر الأقطار العربية من الكويت مثلا، ومن العراق ومن سوريا ومن السعودية ومن اليمن وغيرها من البلدان العربية، وأذكر أن رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر كان يفتخر بأن ابنته ساهمت في عملية التعريب في الجزائر. إنّ العديد من المعلمين العرب المسيحيين ساهموا في عملية التعريب بالجزائر. هؤلاء المعلمون العرب أطّروا آلاف المعلمين الجزائريين الذين كوّنتهم مدارسُ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي علّمت أربعين ألف طفل وطفلة العربية بين 1931 و1962″6 .
أعرف أن حقد العنصريين المتحجرين الانفصاليين أواني فرنسا والصهيوينة العالمية، يعدون الدكتور عثمان سعدي عدوهم اللدود ذو البأس المعرفي الشديد رقم واحد في الجزائر، ولذا انتشى أيما انتشاء لما أعثر لديه على الحجج اللاطمة وجوههم المتدعّرة.
لم أر كاتبا من كتاب الرأي في الصحيفتين اللتين فتحتا للكذاب الباب ليهذي عبرهما بهذا المستوى الفضيع من الجهل والكذب، والسطحية؛ أحيانا يذهب ظني أنهم لا يغيب عنهم شيئ من الحقائق، إنما ونظرا لموقفهم المعادى الحاقد على الجزائر خاصة العرب اللندنية، والتي تضم مجموعة من كتاب الرأي يهاجمون الجزائر بضراوة لم نشهدها حتى مع الكيان أو عدو الخليج الأول إيران، إذن هم فيما يبدو يريدون أن يجعلوك أمثولة لمستوى التفكير والثقافة والصحافة في الجزائر، فيكتمل مشهد النكاية بالجزائر الذي يعملون له .
يتمادى الزاوي في الاستحماق الذي ينتهي به إلى حمق بئيس، فيسوق لنا النص الآتي ذكره للشيخ الإمام ابن باديس : ” “إن مدارس الحكومة العلمانية المحضة موجودة بالقدر الذي هي موجودة عليه فليؤمها المسلمون بأبنائهم دون غيرها… وبذلك يكونوا قد أوصلوا أبناءهم إلى اللغة الفرنسية وما يعلم بها”7 .
الحمد لله يبدو أنه هذه المرة تذكر أهمية التوثيق المنهجي، فذكر تاريخ المقال {1934} الذي اقتطع منه مقتطفات؛ لكن الهوى اللائكي يزلقه لحفرة الحمقى؛ فالسياق التاريخي للمقال يختلف جذريا عن واقعنا التعليمي الحالي، فالتعليم العلماني الوارد في المقال كان جزءا من نضال جمعية العلماء المسلمين أنذاك لتطبيق العلمانيةفي المجالين الديني والتعليمي في الجزائر كما هو الحال في فرنسا؛ بفصل المدارس عن تأثيرات الفرنسية في التلاميذ الجزائريين، والمساجد بإعادة الإشراف عليها للمسلمين الجزائريين ورفع الإدارة الفرنسية عنها أي عدم تدخل سلطة المستعمر في تسيير شؤون المساجد والأوقاف والتعليم الأهلي الذي باشرته مدارس جمعية العلماء. هذا من جهة ومن جهة أخرى كما قال الشيخ في المقال نفسه تحرى المدارس الحكومية العلمانية التي لا تدرس ولا تتعرض للدين بأية كلمة، حفاظا على النشء من الزيغ العقائدي.
لكن حكمة الشيخ ابن باديس ونظره الثاقب، جعلاه يوجه تلاميذ مدارس التربية والتعليم التابعة للجمعية، وأوليائهم لارتياد المدارس الحكومية الفرنسية لتعلم اللغة الفرنسية لغة العلم يقينا في تلك الحقبة، وإعداد جيل متعلم بتوازن معرفي أصيل وعصري .
إذن ليس الأمر كما عمل المحتال الزاوي على تأويله تأويلا منحرفا خبيثا كعادته؛ يبتغي أن يجره لواقعنا بتدليس الحقائق بقوله : : “واليوم أيضا لا يمكننا تحقيق الاطمئنان السياسي لبلدنا إلا بتحييد المدرسة وإبعادها عن الدين وتعميق البعد المعرفي والتربوي والعلمي فيها، وذلك هو خلاص الجزائر والدول العربية والمغاربية من أمراض التطرف والإرهاب. ” 8، لا أبدا هذا مبتغاه ومبتغى الأقلية اللائكية التي لا تمل العبادة في هياكل العلمانية الفرنسية التي تدفع فرنسا اليوم ثمنها غاليا من منزلتها الدولية، وتماسكها الاجتماعي داخليا. وتريد الذيول أن ندفع معها ثمن مستقبل بلدنا واستقلاله في ظل التحولات العالمية المفزعة الناشئة تغييرات لم يشهد لها العالم في تاريخه مثلا من تعقيدها، ومخاطرها.
يعرض عراب رهاب الإسلام ؛ درسه الثمين لعلاج {وباء الإسلام المستشري} في المنظومة التربوية : عبر التحريض على إفراغ المنظومة التربوية من التعليم الإسلامي ، والتوسل لهذا التحريض الرخيص السافل بالأكاذيب والإغراءات على الأداء التدريس؛ يفجر قائلا :
“ علينا مراجعة المنظومة المدرسية: علينا، وبعد الخروج من هذا الوباء، أن نعيد وبشجاعة، النظر كلية في منظومتنا المدرسية برمتها، إعادة ترتيب الأولي والثانوي في برامجنا الدراسية. أن نحرر المدرسة من تجار الأيديولوجيا فيها، وأن نعيد المدرسة الى مهمتها الأساسية: تلقين العلم والمعرفة والمواطنة. أن نحرر التلميذ من منافقي وتجار السياسة والدين الذين عوضوا دروس الفيزياء بدروس الدعوة الدينية، و عوضوا دروس الرياضيات بدروس غسل الميت، وأرسلوا تلاميذنا إلى المقابر ليتعلموا طرق دفن الميت بدلاً من دروس الموسيقى والفن التشكيلي والرياضة ” 9. المؤكد أننا أمام خبير تربوي مزيف دعي منحل الصفة بغاية السفالة ؛إذ لم يشكو يوما تلاميذ أو أولياؤهم أو مشرفون أو مفتش على المدارس في ربوع الوطن من معلمي وأساتذة العلمية المذكورة ، تحويل موادهم العلمية للتدريس ما يدعيه الزاوي الكذاب، وإن حدث فهو نشاز واستثناء . تسفه نتائج البكالوريا كل سنة تقريبا إدعاءاته وتلعن وضاعته، وخسته؛ فالمتفوقون والمتفوقات وهن الأكثر في نتائج البكالوريا على المستوى الوطني يجمعون بين التفوق الباهر في المواد العلمية، والأدبية، وحفظ القرآن الكريم، والالتزام الديني العميق، والخلق الإسلامي الرفيع ، تبّا لحقود سخيف ينتهك أعراض المعلمين النزهاء ظلما وعدوانا ،
مسألة أخرى ؛ يلقى الزاوي بقلمه المهترئ في مسألة تعليمية تاريخية في الجزائر الاستقلال، بجهل أو بأكاذيب وافتراءات أو بهما معا، وهو الأصح في تقديري؛فنحنن لسنا أمام كاتب مسؤول عما يكتب، إنما أمام صعلوك يتصعلك هنا وهناك في شخصية شعب وبلد في جميع مكوناتهما المعنوية ، بزاد علمي هزيل، وفكر مسطح كسيح الإدراك، وعقل بليد خاوي إلا من سفساف الكلام و سقطه ورديئه، وروح نخرة بأبشع الآفات الأخلاقية، ونفس مظلمة بالحقد العرقي العنصري، وقلب ذليل للمستعمر القديم والحديث.
والمسألة المرادة من حديثنا هنا تتجسد فيها كل الصفات التي ذكرنا؛ ألا وهي {التعليم الأصلي } في الجزائر؛ فعلى الرغم من أنه إبن تلك المرحلة من الناحية التاريخية إلا أنه يدخل للحديث عنه من باب الجهل الأعظم المركب، وكذب حقير و نذالة، طمعا في تحقيق واحد من أهدافه الاستعمارية الفرنسية ؛ ألا وهو تسويد أي صفحة في تاريخ الجزائر المستقلة، مسطر فيها إنجاز في دائرة { الإسلام والعربية والعرب والتاريخ الإسلامي}؛ فقد داس كل ذلك بكل ما تمده به خصائصه تلك وخصاله : ــ “ في الجزائر، كانت تركيبة المجموعة الإسلاموية الأولى من الطلبة المعربين أي آحاديّ اللغة، وغالبيتهم جاءوا من معاهد التعليم الديني التي أسسها مولود قاسم نايت بلقاسم الذي كان وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف في السبعينيات، والتي كانت تعتبر تعليماً موازياً للتعليم الجمهوري أو المدرسة الجمهورية. وقد جمع في هذه الثانويات مجموعة من الشباب الذين فاتهم سن الدراسة وقد تحصلوا على بعض التعليم الديني وقد خصصت لهم شهادة بكالوريا خاصة التي كانت تسمح لهم بالالتحاق بالجامعات، وبالتالي أغرقوا كليات الآداب والعلوم الإنسانية، وغالبية هؤلاء الإسلامويين ينزلون من أصول ريفية دخلوا المدينة فوجدوا أنفسهم وكأنهم على الهامش، فكان ردهم على ذلك بالتميز وتربية ثقافة الرفض والعنف التي ستبدأ في الظهور أساساً في الجامعات (الجزائر العاصمة، وهران، قسنطية) وأيضاً في المدن الجامعية، وستكون الحلقات الأولى الأيديولوجية للدعوة والتعبئة حول “كتب مالك بن نبي” وابن تيمية”10 . .
هذا النصّ يدين صاحبه بأخس خلق ألا وهو احتقار أصول فئات من الجزائريين بسبب أصولهم الاجتماعية، ممّا يضعه تحت طائلة التجريم العنصري والكراهية بسبب الأصل. لهذا فإن كل ما يصدر عنه في الموضوع، يكون ملوثا بإشعاعات العنصرية والعرقية والتحقير والاستعلاء؛لذا فلا قيمة لأي تقييم يصدره في الموضوع.
كما يلاحظ عليه أيضا رصيد الجهل المظلم المبثوث في طياته : أما الأصول الاجتماعية لتلاميذ التعليم الأصلي بمرحلتيه الرئستين : معاهد التعليم الديني لتخريج إطارات لوزارة الشؤون الدينية،والذي أنشأه وبعثه محمد توفيق المدني رحمه الله تعالى { 1899 ـــــ 1983} أول وزير للأوقاف في بداية الاستقلال، ومرحلة التعليم الأصلي الذي قاده مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله تعالى { 1927 ــــــــــــ 1992 { الذي جاء تطويرا لتلك المعاهد، وبعث مسار تعليم موازي لتعليم وزارة التربية،في كلتا المرحلتين كانت تركيبة التلاميذ والطلاب من الجنسين، ومن المدن و الضواحي والأرياف إذا أخذنا معهد قسنطينة نموذجا لخصوصيته تقاس عليه باقى المعاهد .
أما الرفس الحميري الآخر الذي أتاه الزاوي في هذه المسألة فهو الانتقاص من الطلاب من جهة اللغة العربية؛ فالوثائق والدراسات والشهادات الحية تفيدنا بأن التعليم الأصلي وإن جاء لتعديل الميزان مع تعليم مدارس وزارة التعليم والتربية الذي غلب على مواده العلمية خاصة تدريسها بالفرنسية؛ فمن المنطقي والواجب أن يأتي التعليم الأصلي وقد هيمنت اللغة العربية على لغة مواده، أما البرنامج والمواد فإضافة للشرعية منها والعربية؛ قررت المواد الآتية الذكر : المنطق ـــ الفلسفة ـــ علم النفس ـــ التاريخ ـــ الجغرافيا ـــ الرياضيات ـــ الفيزياء ــ الكيمياء ـــ العلوم ـــ اللغات وهما لغتان ـــ الرسم ـــ الموسيقى ـــ التربية البدنية . *
بمقتضى مجمل مواصفات الزاوي سابقة الذكر؛ لا غرابة أن تقصر مداركه عن التفطن إلى الأثر المباشر لمؤسس ورائد التعليم الأصلي في مرحلته الموسعة المرحوم مولود قاسم على مشروعه الذي أقنع به الرئيس بومدين رحمه الله تعالى، فلو لم تتوفر للدارس الوثائق التاريخية اللازمة لتناول هذا الموضوع، لتحدث عن شخصية برامج هذا المشروع التعليمي الكبير على كل المستويات والجوانب؛ فلا يتصور أن يبعث علم فكري وعلمي وثقافي متعدد اللغات، واسع الثقافة، ذواقة لأرقى فن موسيقى غربي {السمفونيات} مشروعا تعليميا منزوى عن العصر ومتطلباته؛ وعلى رأسها تعلم اللغات .
أما قول الأفاك الأثيم :” الحلقات الأولى الأيديولوجية للدعوة والتعبئة حول “كتب مالك بن نبي” وابن تيمية” فلو ترك عضوا غير العضو الطبيعي في بدنه يكتب نيابة عن يده، أو يتكلم نيابة عن لسانه؛ لكان أهدى سبيلا للحقيقة: فإن كانت بواكير الوعي الإسلامي الحضاري كانت من خلال حلقات المفكر مالك بن نبي في بيته وفي مسجد الجامع بالجزائر العاصمة؛ فإن ضم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مصدرا للدعوة في بدايتها ينطق بأوسع معاني الجهل وهمجية الإدعاء؛ فالدعوة الإسلامية الحركية في الجزائر تأثرت بكتاب ومفكري حركة الإخوان المسلمين : حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب وفتحي يكن رحمهم الله جميعا ، وبالإمام أبي الأعلى المودودي . وفي مرحلة تالية برزت الحركة السلفية فكان من الطبيعي أن تكون كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى في طليعة مراجعهم وتكوينهم الشرعي والعلمي .
أما خِسِّة الزاوي في وصفه ” وغالبية هؤلاء الإسلامويين ينزلون من أصول ريفية دخلوا المدينة فوجدوا أنفسهم وكأنهم على الهامش، فكان ردهم على ذلك بالتميز وتربية ثقافة الرفض والعنف”، فنضمها لتقييمنا السابق؛ من أنها قطعة من العَذِرَة العنصرية الجاهلية يهدهدها الزاوي بأنفه. فأسباب العنف والصدام بين الإسلاميين واليساريين الماركسيين تحديدا أسبابه معروفة حد البداهة، وحصرها في البعد اللغوي والأصل الاجتماعي فهو جهل ضج الجهل من جهل صاحبه .
أما من ناحية الملاحظة الشخصية فقد درسنا في المرحلة الثانوية في تبسة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين على أيدي أساتذة تخرجوا في دراستهم ما قبل الجامعة في هذه المعاهد، من أنبل وأخلص الأساتذة،وأكثرهم اقتدارا معرفيا وتربويا ، وأنجحهم في مهاماهم التربوية، مزدوجي اللغة، واسعي الإطلاع ، لو جلس الزاوي بمستواه الذي تعكسه خرقه ساعة في مقعد قسم أمام أحدهم لأوصى بإيداعه مركز المتخلفين ذهنيا .
كذلك يمكننا هنا أيضا إدانة الزاوي من خلال إشارة وردت في مقال قديم له :”ولكن إذا كان “الشيخ عبد اللطيف سلطاني” رحمه الله قد أثر بالإمامة، ولكن أثر أيضا بالكتابة، كما أثر قبله مالك بن نبي والشيخ الإبراهيمي” 11.
فسياق الإشارة لمالك بن نبي رحمه الله ترجح التأثير الإيجابي لفكره وحلقاته المعروفة، ويدور الزمن دورته لينفلت الزاوي من عقله، فينقلب التاُثير الإيجابي إلى سلبي !!!
الحقود بالإنابة عن مشغليه فتح لهم ، كوة افتراء جديدة تنزف منها سموم الحقد والكراهية على المدرسة الجزائرية لا لشيء إلا أنها أحد أهم معاقل العربية، والإسلام على اختلاف وتنوع وإقبال ونكوص، فيرمى المربين المعربين قاطبة بعبارة ساقطة حقيرة مبتذلة سوقية؛ قال :”منذ نصف قرن ويزيد قليلا، لم يفتح جنود الفتح الإسلامي الجدد في الجزائر أفواههم طالبين إنقاذ المدرسة من الرداءة التي أتت عليها”12.
فالكلام مركب أوبئة: وباء رُهاب الإسلام {إسلاموفوبيا}، وباء السفالة وقلة الأدب، ووباء الكذب. وأما الأول فسوف نفضحه لاحقا إن شاء الله، ونفضحه بما يستحق، وأما الثاني ، فحسبه نذالة أن يتطاول بسوقية على ألاف المعلمين والمربين الذين مرّوا بهذه المهنة الشريفة، وأكثرهم أداها بإخلاص واقتدار وتفانى وتضحية، وأما الثالثة، فكذبة من أكاذيبه الطويلة؛ فالحقب والسنوات لا قيمة لها؛ يهرف متهورا أن المدرسة الجزائرية تدحرجت نحو الرداءة منذ خمسين سنة، وقد سفهنا قوله بأوضح الأدلة نكرر منها أقواها ألا وهو تخرج آلاف المتميزين الذين برعوا في ميادينهم العلمية ثم المهنية في شتى المجالات داخليا وعالميا .
أما الافتراء على المعربين بأنهم لم يطالبوا بإنقاذ المدرسة من الرداءة، يدحضها النضال النقابي والتربوي الذي مارسه المربون والمعلمون منذ تسلم التربية والتعليم التيار اللائكي الفرنكوفوني والفرنكوفيلي الذي أعلن الحرب على مقومات الهوية الوطنية : الإسلام والعربية والتاريخ، وأخرج التلاميذ للشارع يصرخون “التاريخ إلى المزبلة”، ثم ككلوا المحرقة التي نصبوها بتقرير بن زاغوا، الذي كانت تلك غايته الكبرى، أما النقلة المنهجية تربويا وعلميا وفق أحدث وأنجح الابتكارات والتجارب العالمية فلم تكن المقصد؛ لأن اللجنة لم تكن مؤهلة معرفيا واطلاعا على ذلك؛ والسبب الجوهري أنها حبيسة الرؤية والثقافة والنموذج الفرنسي ، المتخلف قياسا لنماذج وتجارب دول غربية متطورة . خاصة المنتهجة النهج الأنجلوسكسوني . فضلا عن فنلندا والدنمارك وغيرهما
هوامش
1 .الزاوي ” المدرسة أكبر حزب إسلامي في الجزائر”؛ انجبيندنت عربية، 8/4/2021
2 ـــــــــــ 5،ــ م .ن
6..في يوم اللغة العربية لسنة 2021 – الشروق أونلاين
7. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، “ هل كان الشيخ عبد الحميد بن باديس علمانيا؟ م .ن 22 /8/ 2019
. ــ8 . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ “ثلاثة دروس لزمن ما بعد “كورونا“، م . س .
* قَزَلَ: مَشَى مِشْيَةَ المقطوع الرِّجل، كتبتها بدءا أريد {يقول}، فراجعت المعجم فتجلت العربية بعبقرية توصيفها .
9.، ــــــــــــــــــــــــ “من أحوال العرب “، م س .
10 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ “ سيميائية “اللّوك” الإسلاموي المعاصر”، م.س .
* أنظر : خديجة حالة ، ” التلعيم الأصلي ودوره في حركة التعريب بالجزائر”، أطروحة دكوراه8 تاريخ. دامعة احمد دراية ، ادرار ، 1438 ـــــــــ 1439ه ــــــــــ 2017 ــــــــــ 2018/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ” التعليم الأصلي والهوية“، مجلة الحقيقة، جامعة أدرار، م17، عدد 02، سنة 2018
ــــــ اسماعيل تاجي” تججربة التعليم الأصلي في الجزائر” مجلة تاريخ المغرب العربي، م3، عذذ6 .
ـــــــ عبد الجليل ساقني، ” التلعيم الأصلي والمعاهد الإسلامية في الجزائر“، مجلة أفاق علمية، المركز الجامعي تمنغست، م9، عدد 2، سنة
11.الزاوي، من ولاية المثقف إلى ولاية الفقيه – الشروق أونلاينhttps://www.echoroukonline.com › م. Mar 8, 2012 .
12. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العرب اللندنية : 19 سبتمبر، 2017