فاقمت أحداث سوريا من أوار”غريزة ديمقراطية” مقموعة في”جمهوريات عربية ” ؛ على رأسها الجزائر باعتبار العامل المؤثر و هو سقوط دمشق . فبدا كأنما عثرت القوى الموجهة على المفتاح السحري ” للاشتغال على المعظلة الجزائرية” المستعصية عن الاستجابة لوصفة ” ديمقراطية مقدسة”، فاستنفرت الآلة الإعلامية “جوقة عبيد المعبد” الديمقراطي الليبرالي ، للشروع في عزف نوتة واحدة للنشيد المقدس، إلهابا للمشاعر ، و محاولة التأثير في المسار الوطني الجاري ، بدافع جارف من مرض ” ذُهَان سهولة” الربط بين الحالة السورية والدولة الجزائرية . فالتقطوا قماشة ” سقوط الأسد” يلوحون بها تحذيرا أو إنذارا أو وعيدا أو تجييشا لمصير ينبغي أن تلقاه الجزائر الحليفة العربية الكبرى للأسد .
صحيفة”عربي 21″ الألكترونية نموذج لصحف ومواقع عربية مهاجرة ، الجامع بينها أنها محكومة في نظرتها للجزائر أنها من بقايا الدول الشمولية العسكرية ذات النَفَسْ الاشتراكي القريب من المعسكر الشرقي السابق ،المناوئ للديمقراطية و حقوق الإنسان على النمط الغربي الأطلسي . و هذه النظرة تشكل قاعدة توجيه وتأطير المادة الإعلامية التي تتناول الشأن السياسي الجزائري . ويجمع بينها أيضا أنها تصدر من لندن مركز تجميع البيانات المهمة و الفائقة الأهمية للخطط الأطلسية الكبرى ، للاستئناس بها في استخدامات مناسبة ، وسابقة التجميع والإيواء وإطلاق العنان ” للحرية” لمختلف التنظيمات المعتدلة والمغالية والمتطرفة لا شك جعلتها المرجع المؤهل لهذه الوظيفة ، فضلا عن خبرتها الفريدة بالمنطقة.
كما يلاحظ علوّ نبرتها الإعلامية منذ الحدث السوري الأخير تجاه الجزائر إلى مستوى “المساواة ” بين النظام السوري والدولة الجزائرية ؛ في الاستبداد بنظرة دونية وتحقير للسلوك الرسمي الجزائري . ومن ثمة الإيحاء الإعلامي بإحاطة الجو النفسي للتلقين يأن المصير المستحق للدولة الجزائرية لا يقل عما حدث للنظام السوري .
في هذه “الهالة الأطلسية” نسوق نماذج من موادها الإعلامية الأخيرة ب”أصابع جزائرية”؛ فصحيفة “عربي 21″ الإلكترونية التي كانت انطلاقتها واعدة برؤية ومسار إعلامي إسلامي متفاعل إيجابيا مع الطيف الإعلامي والثقافي الحرّ واالمناظل في سبيل القضية الفلسطينية على وجه الخصوص ، و الشأن الإسلامي النهضوي ، سرعان ما انحازت لرؤية وسياسة دولة إسلامية كبيرة تبنت التيار الإسلامي الأقدم والأبرز في العالم العربي . فنصّبت ” عربي 21″ إعلاميا تلك الدولة رسميا مهمة ” إدراة شؤون العالم العربي والإسلامي”، فتحولت إلى صحافة ” زجاجة بيبسي كولا” محكمة الغلق يشتد غازها فورانا بتحريك يد الإدراة الصلبة على وقع الأحداث . وغني عن الإشارة إلى انها لا تعبأ باستصحاب التحليل الجيو استراتيجي، ولا العوامل المؤثرة في سلوك الدول السياسي ، فضلا عن خصوصياتها، و لا تقاليدها الديبلوماسية والسياسية الخارجية، ولا التحديات التي قد تكون مهددة لامنها الوطني بل الوجودي
وهنا يسهل علينا فهم نمط ” الهالة النفسية” التي تعمل الآن على تشكيلها عن الجزائر في سياق مأساة سوريا . وانخراطها في الدفع نحو تحللها على النمط الذي يفضحه ” النموذج السوري ” . ولهذا جاءها التوجيه أو الإيحاء إلى التوجه نحو عنصر وأصابع الكبريت ” رشاد” الإرهابية ، فهيات لعناصرها ” عريشا” يوقدون فيه نيران الفتنة والفجور والخيانة والتحشيد والتضليل والتغرير . ورغم أن المضمون لا جديد فيه لدى الجزائريين؛ إلا أن الصروة التي يريدون رسمها لدى من يهمه الأمر من متعرض عابر و تهيئة أسانيد تبرر أي مخطط إجرامي أطلسي صهيويني ضد الجزائر . و كثافة نشر هذه “الرشاديات” اللئيمة على موقع “عربي 21″، وتنوع قوالبها الإعلامية ؛ مقالات وحوارات وتصريحات وغيرها، وتعدد ” الرشاديين ” الوظيفيين دليل دامغ على نية الموقع وأصحاب الخدمة الأصليين على النية الخبيثة المبيتة لترسيخ صورة “الجزائر سند الأسد” .صحيح أن الدمى المتحركة الوظيفية مهلهلة المستوى الثقافي فضلا عن المعرفي، رثة الحجة، تعيسة المقام ؛ إلا أن الهوائية التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي في الملكات العقلية والنفسية في المجتمع العربي تسمح بدوران الملوثات فيها بحرية كبيرة ، فتساعد على تكون مسّدات دون الحقائق في كثير من الأحوال ؛ حتى إن كانت ماثلة رؤيا العين . فنرى مثلا حوارا مع مطلوب للعدالة [قلل] [نلاحظ التعبير هنا من الموقع] لمن منحه المنصة ؛ من أهية الهجوم الذي شنه الرئيس الجزائري مساء أمس الأحد على فرنسا على خلفية الجرائم التي ارتكبتها بحق بلاده أثناء الفترة الاستعمارية، واعتبر أن هذا الهجوم ليس إلا محاولة أخرى لتوظيف ملف التجارب النووية الفرنسية لخدمة أهداف شعبوية، بعيدًا عن أي التزام حقيقي.بحماية حقوق ومصالح الشعب الجزائري.” فالشعبوية تقبل التصنيف في الخطاب السياسي ولدى كلّ أشكال الأنظمة السياسية؛ لكن طشاش كلام ممثل التنظيم الإرهابي يُضحك الصغار قبل الكبار؛ فالجميع تابع ويتابع الجهود المبذولة في الملف على المستوى الرسمي والمدني العامل عليه بجهود مذهلة وفي مقدمتهم المحامية المحترمة فاطمة بن براهم وفريقها الدؤوب من مجاهدين وأكاديميين وبتتسيق مع بعض الحقوققين المستقلين في فرنسا .
تستخدم هذه الصحف عبارة ” دعم النظام” لأنها أرضية التسوية بين ” النظامين ” الجزائري والسوري السابق؛ مما يجعلها مهيئة لأي تطورات أو مواقف أو تخطيطات أو إجراءات أو مطالبات تأتي من سلطة الأمر الواقع في سوريا أو من هيئة إقليمية او دولية حقوقية أو سياسية ؛ كإدانات دعم أو تعاون أو ” إسناد “إمدادي مهما يكن شكله يكون قد تضرر منه السوريون . وقد بدأت تتسرب إلى الإعلام مزاعم قوائم لدى رئيس السلطة المُغّلّبَة بالخصوم والأعداء الداخليين والخارجيين لدى سلتطه !
ويوم2/1/2025 يطل الموقع الوظيفي على متابعيه بتقرير عنوانه “توتر في علاقات الجزائر مع سوريا ومالي.. ما هي الأسباب؟ تناولت ما وصفته بــ”الجزائر تتردد في التواصل مع حكام سوريا الجدد وتواجه اتهامات مالية بالتدخل في الشؤون الداخلية..
ثم يشرع جامعوا { مادة التقرير } في إيقاد نيران التهويل والأكاذيب والتحريض الوضيع الذي تتطلبه المهام الوظيفية من السادة للعبيد ، فيذهب إلى القول :” تعيش الديبلوماسية الجزائرية هذه الأيام على وقع هزات عنيفة بسبب التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقتان العربية والأفريقية. فعلى خلفية السقوط المدوي لنظام بشار الأسد في سوريا يوم الثامن من كانون الأول / ديسمبر من العام الماضي، الذي كانت تربطه علاقات ود قوية مع النظام الجزائري، تخلف النظام الجزائري في تهنئة حكام سوريا الجدد على خلاف غالبية الدول العربية. ومعلوم أن النظام الجزائري على مدى سنوات الثورة السورية عارض تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011 ولم يسحب سفيره من دمشق. وقد أثار هذا الموقف علامات استفهام كبرى لدى المراقبين لتطورات السياسات العربية.”
وخلطا للزيت بالعسل يعتمد معدوا التقرير أسلوب صحافة ” زجاجة بيبسي كولا ” بعد أن يحشروا فيها لواقط الذباب ، بالقول :”وقبل أسابيع قليلة، انتقد سياسيون ليبيون مسعى الجزائر للتدخل في الشؤون الداخلية الليبية من خلال لقاءات أجراها سفيرها في طرابلس بعدد من شيوخ ووجهاء بعض القبائل الليبية، في إطار حراك جزائري للوساطة بين الليبيين.ومساء أمس الأربعاء أصدرت الخارجية المالية بلاغا شديد اللهجة تستغرب فيه تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف وتندد بالتدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي.وأعربت الحكومة المالية عن استيائها الشديد من تصرات بعض رجالات السلطات الجزائرية، التي تواصل التدخل في الشؤون الداخلية لمالي.”
ثم لما استوت لديهم الخلطة، أرادوا ان يجلبوا لها البركة، من عراب ” رشاد الإرهابية”متشرد لند ن الدموي المدعو” زيتوت “الذي حرض الشباب المراهق أثناء الحراك على دوس العلم الوطني ، يلقى على خلطتهم من خزعبلاته وأكاذيبه التي لا تساوى لدى الجزائريين مثقال حبة من خردل ، بعدما تبينت الحقائق. نكبهم الإرهابي ؛ فميثاق المصالحة الوطنية امتص المحرقة ، والجزائر تسجل موقع ” الدولة الناشئة”، ولا نامت أعين الخونة .
إذن عربي 21 أصبحت رسميا موقعا يروج للإرهاب والإرهابيين ، ويتبنى قصدا توجهاتهم، وجرائمهم . تريد أن تقول على لسان الشريد الإرهابي إن النظام الجزائري إرهابي مثل النظام السوري . وأقترح على الجهات المعنية جحب هذا الموقع الخبيث ، مع تتبعه من قبل المتخصصين؛ للاستخلاص ما يلزم .
العينة الثانية من صحيفة ” العربي الجديد” التي تعرّف نفسها بالآتي ذكره :” لمحنا معالم زمن جديد، في الإنسان الذي ضاق ذرعًا بالخضوع لسلطوية رثةٍ، أفسدها الفساد، فتمرّد على جلاوزة القمع، وقال لا للبيروقراطية المتخلفة، ولنظام اللصوصية القائم على الزبائنية”. فأبسط إنسان سيقول هذا بيان تنظيم حزبي ثائر ، وعليه فلكل إنسان أن يسأل جهة الإصدار: إذا كان هذا في حدود الجغرافيا السياسية التي تصدر جريدتكم تحت قوانينيها المرعية، والطرف الممول ، فتحت أي غطاء قانوني أو أخلاقي منحتم أنفسكم الثورة على ما آلمكم خارج حدودكم المذكورة؟ وعليه لو كانت هناك مرجعيات أخلاقية إعلامية دولية لوسمتها بالوسيلة الإعلامية المتنهكة لأخلاقيات الإعلام ، والإعتداء على سيادة الدول .
فعلا فمضمونها الإعلامي سيسلكها ضمن صحف ” زجاجة ببسي كولا ” مُحْكمة الغلق كسابقتها . ولذا لاحظنا الدور الذي لعبته مع صحف عربية مهاجرة أثناء الحراك الجزائري؛ إذ كانت وفية لتقاليد الاتجاه العربي الوكيل للأطلسي الغربي ، ومشروع الثورات التي خططت لها المراكز والدوائر الأمريكية كما بات معروفا للجميع ، وكانت تتبنى وتدقع نحو اتجاه الثورة الجذرية ، والترويج لدعاة المرحلة الانتقالية في الجزائر ، والترويج للنموذج السوداني آنئذ، وقد كان مراسلوها من الجزائرفي تغطياتهم لمجريات الحراك الأسبوعية عند استطلاع أراء المختصين مثلا يحرصون على نقل أراء أنصار المرحلة الانتقالية بطريقة مفضوحة؛ الأغلب عددا ومساحة في التقرير لهذا الاتجاه ، مع ذر “رمادة “أو “رمادتين ” من دعاة الحل الدستوري . أحصيت آنئد تقارير مراسلي تلك الصحف من الجزائر ، بعدما لاحظت الانخراط المزعج في الاتجاه العام لتلك الصحف الأسيرة لمآسى العشرية السوداء، لكن المادة التي جمعتها أتلفت بتهشم القرص الصلب الذي يحتويها ..
عينتنا هنا مقال مراسلها الجزائري فيما وصفه بـ”ترميم الجزائر لموقفها من التغيير السوري” فماذا كسرت الجوائر في البناء السوري المهدم بفعل حرب عالمية صامتة ، يكتب المراسل : “لم يكن الموقف الجزائري من سورية موفقاً. على الأقل هذا تقدير سياسي ليس عليه خلاف، حتى داخل المجتمع الدبلوماسي. قبل أسبوع من سقوط بشار الأسد، كان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف يهاتف وزير خارجية النظام بسام الصباغ، ليؤكد وقوف الجزائر مع دمشق ضد ما وصفه بيان وزارة الخارجية الجزائرية “التهديدات الإرهابية”، والمقصود بها كان قوات “ردع العدوان” التي كانت في طريقها إلى دمشق، لإراحة الشعب السوري من نظام بعثي ساقط أخلاقياً وسياسياً،كما يرى :” وصف قوات المعارضة تلك بـ”الإرهابية” بالمرجعية الأميركية، فتصنيفات واشنطن ليست بالمطلق مرجعاً لوسم الكيانات والأفراد” !!! ثم يثَنِّي مؤكدا حكمه “الأخلاقي “على الموقف الجزائري وإذا كانت بالمعنى السياسي، فهي قراءة متسرعة وغير حكيمة، ولا تنطلق من الحقيقة السورية التي كانت قائمة عشية سقوط الأسد، صوصاً أنّ المعارضة السورية كانت قد أقامت نموذج حكم مدني في شمال سورية على نحو يعطي صورة واضحة أنها أبعد ما تكون عن معنى الإرهاب!!! ثم يؤكد مرة ثالثة حكمه :” وقد كانت تلك خطوة بلا معنى، وقراءة متأخرة للأحداث وغير موفقة بكل معيار سياسي ممكن.” ثم يثني على موقفها بعد سقوط دمشق ” تستدرك الموقف، في أعقاب سقوط بشار ودخول قوات المعارضة إلى دمشق. وحسناً فعلت في إعلان “وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق”، والدعوة إلى “الحوار بين أبناء الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته”.
لذا “ينصح” الجزائر بعد ان ذكّرها بموقف الشعبين الليبي والسوري خلال ثورة التحرير الجزائرية،بــ” لذلك يحتاج الموقف الجزائري من التطورات في سورية إلى ترميم سياسي ورسمي، بعد مواقف بالغت في الاندفاع لصالح النظام الساقط، وإلى جهد رصين لتصحيح الموقف وبناء قاعدة تعامل مع سورية الجديدة”.
ثم يختم بنصيحة تحذيرية أو تهديد :” الدرس السوري الحقيقي، في هذا السياق، هو “تذهب الأنظمة، الشعوب تبقى”. والوقوف مع الدولة، أياً كانت، (على غرار الدفاع عن حق سورية في مقعدها في الجامعة العربية)، أو رفض أساليب التغيير العنفي، لا يجب أن يتعارض مع مطالب الشعوب واستحقاقاتها. لذلك فإن بناء المواقف السياسية يتعين أن يأخذ هذا العامل باعتباره أساساً رئيسياً، بحيث لا تتصادم المواقف الجزائرية مستقبلاً مع قيم ثورة التحرير التي تقدس الحرية، ولا مع التطلعات المشروعة والحقيقية للشعوب.” !!!
مقال المراسل الجزائري ، يقتضى المرء إفراده بالتحليل والنقاش ، لكنّنا نكتفى بملاحظات :
ــــــ يجب التسليم بأن المقال أقرب مايكون لتبليغ إعلامي من الجهات العليا الراعية للصحيفة عن موقفها من الموقف الجزائري: إستنكارا ثم استحسانا !!!
ـــــــ هل الجهة التي تكافيء جهد صاحب المقال أو مُبَلِّغَه مشبعة بالديموقراطية و الحرية؟ وما آخر “صيحاتها” في الديمقراطية النيبابية مثلا ؟
ــــــــ ألا يدرج هذا الكلام في علامة من علامات الساعة :” أن تلد الأمة ربتها ” ؟ أن تُلَقَّنَ الجزائر ألف باء تحرر الشعوب ؟!!!! أم أنّ هذا مما يعرف في البلاغة العربية بتسمية أو وصف الشيء بضده تفاؤلا، وهي إحدى ” تعميات ” الأجهزة الاستعمارية ومراصدالصراع الفكري .
ـــــــــ أليس من علامات الساعة سياسيا أن تُنَبَّهَ الجزائر لموضع خطاها في قاموس مبادئ الديبلوماسية ، وتحرى وضع خطاها الديبلوماسية فيها؟
ــــــ إذا كان المقال تعبيرا حقيقيا عن فكر المراسل الجزائري ، فكيف يقنع العارفين بثوابت السياسة الخارجية الجزائرية في علاقاتها مع الدول ؛ كونها تتعامل مع الدول دون تدخل في شؤونها الداخلية . وأنها بمقتضى الأعراف الدولية ليست هي التي تقرر مصائر الدول ولا تحدد مواقفها من شعوبها ولا مواقف شعوبها منها ؛ فلو تزل قدمها عن هذه البدهيات في القانون والأعراف الدولية فستبيح سيادتها وحريتها وأمنها لمن لا يرضى عن سياساتها ولو كان الكيان الغاصب لنصرتها للقضية الفلسطينية .
ـــــ ألم تكن الجزائر هي الدولة الثانية بعد سوريا المرشحة لموجة الثورات الأطلسية الغربية ؟ ألم يهدد رئيس ديبلوماسية دولة بذلت ما يفوق المائة مليار دولار لإسقاط النظام السوري، رئيس الديبلوماسية الجزائري مدلسي رحمه الله مباشرة بكل عنجهية وصلف بل وحقارة قائلا :” اليوم سوريا وبعدها الجزائر” ؟ ذكر الصحفي عبد البارئ عطوان ما قاله له شخصية نافذة ، لقد أُعِدّكلّ شيء للجزائر بعد سوريا : الملفات جاهزة والصحف والقنوات .
ــــــ هل يعيى المراسل الجزائري { إن كان هو فعلا كاتب المقال ، لا مبلغ رسالة سياسية ديبلوماسية} ما يقول ، إذ يغمز في تحذيره دولته في قوله السابق ” فإن بناء المواقف السياسية يتعين أن يأخذ هذا العامل باعتباره أساساً رئيسياً، بحيث لا تتصادم المواقف الجزائرية مستقبلاً مع قيم ثورة التحرير التي تقدس الحرية” ؟ هل قيم ثورة التحرير نصرة الكيانات الإرهابية { والكيان الذي أسقط النظام لا يزال هكذا تصنيفه دوليا } .
ــــــــ هل يرى المراسل الجزائري تنظيم “رشاد ” الإرهابي مثلا لو واتته ظروف مشابهة لجبهة النصرة ودخلت على ظهور دبابات الناتو ـــــ لاقدر الله ــــ ستكون حركة تحرير وطنية ، كجبهة التحرير وجيش التحرير الوطنيين؟
ــــــــ ذكّر المراسل الجزائري لـ “العربي الجديد “الجزائريين بمواقف الشعبين السوري والليبي إزاء ثورتنا المجيدة؛ غمزا للموقف الجزائر المتخاذل من “تحريرهما” على يد الناتو اليوم ؟ هل يحتاج هذا المراسل تذكيره بحال ليبيا ، بل حال سوريا المحتلة اليوم من الكيان وأمريكا ومن صرح بعد سقوط دمشق أمام برلمانه أن بلده لن يظل محصورا في مساحته . ؟
العينة الثالثة مقال للدكتور ناصر جابي ، الذي عرف بتفكيره الناقد للسلطة برصانة وحكمة . ولعب دورا توجيهيا أثناء الحراك . وبعد التطورات التي حصلت في الساحة السياسية ، صار ينشر في صحف عربية خصوصا القدس العربي الشهيرة ؛ صار من كتاب الرأي الدائمين فيها .
لصحيفة “القدس العربي ” ــــــ اعتذر للقدس الشريف ــــ منذ استولى عليها المال الخليجي ، بعد أن أجبر عبدالبارئ عطوان صاحبها ومؤسسها على بيعها لما ضاقت عليه الظروف بما كَبَسَتْ ، مسار حافل من الخزي والخسة المخزنية وبعض الاعرابية والأطلسية إزاء الجزائر؛ تحولت في السنوات الأخيرة الماضية إلى غرفة استخبارات “صهيونوية مخزنية” تطلق مساعير ” كُتّابٍ” وصحافيين وسياسيين ضد الجزائر ، نهشا وتحرشا وفجورا لا مثيل له إلا في صحيفة العرب اللندنية والصحافة اليمينية الفرنسية . نشير إلى الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي الذي استغل الحراك وتحول إلى بوق تحريض وأكاذيب وتهم حقيرة مفتراة على الجزائر ، مما أثار شرفاء الصحافة والكتاب للرد عليه وفضح خسيسته، وقدأَدَنَّاه بالأدلة من أقواله بما افترى على الجزائر أنها التي لاقت منها الثورة على بن علي ما لم تلاقيه من الإمارات ، وكان قبل أسابيع قليلة من انطلاق الحراك وتصريحه الكاذب ، في حوار مع الخبر يتحدث بلسان الشكر والامتنان لما قدمته الجزائر لتونس في الظرف العصيب. واغتنم ُ الفرصة هنا لأقول ، أثناء إقامتي في قطر أستاذا في كلية الشريعة بجامعتها ، حضرت محاضرة للمرزوقي في شهر أوت 2018 نظمها له مركز سوري في قطر يسمى “حرمون”، وكان الحضور كثيفا ؛ لكني لاحظت ضيق القاعة ، فأخذتني حمية ، وشعرت بشيء من الغبن الذي يعكسها المكان ؛ كيف يحشر فيه رئيس سابق ومثقف ومناظل ، {بالعامية التبسية : نغرت عليه}؛ فلاحظت كل المخاطبين له كأنما يتجاهلون مقامه السابق { رئيس جمهورية سابق}، فتعمدت في مطلع تعقيبي عليه استخدام الكلمات :{ فخامة الرئيس وسيادة الدكتور والحقوقي } ، لكني لاحظت في رده على التعقيب نوعا من البرودة عند ذ كر الجزائر . وفعلا انتهى به الأمر إلى التقديم كتاب أعدته حركة “رشاد” ردا على كتاب ” من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الحراك الجزائري” للدكتور أحمد بن سعادة.
في هذا السياق برز اسمان جزائريان ينشران مقالات في القدس العربي أحدهما الباحث وأستاذ علم الاجتماعي الدكتور ناصر جابي صاحب العينة ،في مقاله الأخير :” لماذا يتأخر الإصلاح السياسي في الجزائر؟” 29/12 /2024 نقتصر على منه على موضوع مقالنا: جو “الهالة النفسية” التي تتكاثف عبر مقالات الكاتب الوفيرة ، تُضبّب بالعفو الرئاسي في غير ” وقته المعتاد” بسبب ما وصفه بتورط الجزائر بسجن صنصال !!! ومنه هنا تتاكثف غيوم المقال إلى تشنج سياسي احتجنه هاشتاق ” ما نيش راضي ” الذي ربطه الرئيس وربطه بالمغرب ، ورد الطرف الموالى للسلطة بهاشتاق مع بلادي . مقابل هروب الدولة من التطرق لقضايا البلد الجدية، التي تؤكد أن الجزائر في حاجة الى إصلاحات سياسية عميقة. وتخر حبات السبحة المألوفة : مثل أن النظام يستعصي على الإصلاح ويقاومه بشتى الطرق، والغمز المعروف من سيطرة الطرف العسكري على الأمور وتغيير الطرف المدني { الرئيس طبعا} ككل مرة. ووهو ما يزيد في منسوب الغموض الذي يكتنف صناعة واتخاذ القرار الرسمي في البلد. ووهكذا التدحرج في رسم الهالة السوداء للأوضاع ، ويدعى مثلا : أن النظام هجّر الكفاءات الشابة { عنوة } ، و أن ولاة الجمهورية وهم يلاحقون زجاجات البيرة الفارغة في بلعباس وتيارت.
الفشل في التكيف بالسرعة المطلوبة مع المتغيرات الدولية، التي تكاد ترسخ الصورة التي يقدم بها الإعلام الدولي النظام السياسي الجزائري، كنظام من بقايا فترة الحرب الباردة، يحكمه شيوخ في مجتمع شاب، كما كان الحال مع العم برجينيف وبودغورني، في الاتحاد السوفييتي القديم.
لنصل لجوهر المقال وهو :” في وقت تملك فيه الجزائر مؤهلات فعلية للانطلاق لمواكبة التحولات الدولية إذا عرفت كيف تتكيف وبسرعة مع مطالب شعبها، الذي ما زال لحد الساعة، ونحن على أبواب سنة جديدة، يطالب بالتغيير السلمي، الذي يجب أن لا يتأخر أكثر مما تأخر، لأن مصلحة البلد تقتضي ذلك، قبل فوات الأوان”.
إذن مجمل الخطاب متساوق مع حدث الساعة ، استخدم فيه صاحبه مجموعة رموز دالّة تذهب رأسا للمعادلة مع الحالة السورية : النظام الشمولي ـــ البرودة السوفياتية ــــ عتاة القادة السوفيات رغم شيخوخة ويقابلها في الحالة الجزائرية القيادة المدنية { الرئيس } والعسكرية قيادة الأركان ـــــ التخلف عن العصر ـــــ الاستبداد والاستعصاء عن التغيير ـــــ تنكب الأمور الجدية ـــــ المصير المحتوم سقوط السوري = سقوط الجزائري بمقتضى سنة الحتمية السياسية .
الأمر ليس في حاجة لدخول مسار جدلي مع الكاتب حول لوحته القاتمة السواد؛ بعرض الأدلة المبددة لكثير منها كما فعلنا معه من قبل .فهو يستيقن في قرارة نفسه متى يكون منسجما مع الحقائق والوقائع والقيم الأكاديمية النبيلة ، ومتى يكون مفارقا لها أو لبعضها أو متناقضا مع قناعاته الداخلية . مع ملاحظة حالة الإنكار غير الأخلاقي لمنجزات كثيرة في عهد الرئيس تبون التي سيرت به جائحة كوفيد 19 بما يمكن وصف بتسيير حالة حرب مفاجئة مع حرب بقايا العصابة وأذرعها ، ومنجزات جبارة في المجالين الاقتصادي والصناعي والفلاحي ، غيرت وجه البلاد ، تعكسها التقارير والتصنيفات الدولية للاقتصاد الجزائري، وإطلاق مشروعات عملاقة في مجالات المناجم والطاقة في ظروف عالمية مضطربة على درجة من الخطور ة لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية كما قال بحق السيد أحمد عطاف .وإتمام المسجد الأعظم ليكون رمزا لانتصار الهلال على الصليب ، وفي مجال الطاقة الخضراء مستقبل العالم . والمشروعات الفلاحية العملاقة بالشراكات الضخمة { لعل الأستاذ الكبير يسلم بأداء الذكاء الإصطناعي / الرواية المغربية في الترويج لها ــــ . والشروع في تنصيب مصافي عملاقة لتحلية المياه . أما الكفاءات التي هجرت قصرا ، هل هانت على أصحابها كراماتهم فعادبيقاسم حبة عالم مئات براءات الاختراع ليفتح معهدا في بلده ، ويطوف الجامعات يلقى المحاضرات على الطلاب ، و وفود فرق ألمع الأساتذة والباحثين المفيمين بالمهجر على بلدهم لتنشيط لقاءات علمية رفيعة في أدق التخصصات العلمية ومرافقة الطلاب والباحثين لإنحاز بحوثهم وربطهم بمخابرهم وجامعاتم الكبرى ، وإذ رأي الباحث والمعارض العظيم أن هذا من نفخ النظام في الوقائع والأحداث؛ فكيف يكون قوله نزيها أمام مشهد سهرة كلّ خميس على قناة البلاد برنامج ” علمتني الحياة “الذي يعده االصحفي الشاب الخلوق يوسف زغبة يقدم قصص نجاح علمائنا الأجلاء في كبرى الجامعات الذين يعرضون بأنفسهم نجاحاتهم ، ويذكرو ن أفضال بلدهم عليهم ، ويعرضون مشروعات شراكات كبرى مع أقرانهم في الجزائر هل يمكن القول بعد كل هذا : يبدو أن هناك عوامل أخرى ما ورائية هي المحدد الفيصل للمعادن.
وفي السياسة الخارجية إنطلاقة صاروخية أعادت للجزائر مجدها الديبلوماسي، وامتداداتها الإفريقية والعربية والعالمية .وبعث التصدير خارج الطاقة رويدا رويدا. أما في مأساة غزة و فلسطين فالمحترمون رأوا كيف حولت الجزائر جلسات مجلس الأمن إلى جلسات مفتوحة . أما تهنئة البطل الشهيد السينوار للرئيس على فوزه فرمزية لايبصرها أهل الأهواء و المشروعات الأطلسية . في محاضرة بالمنتدى العربي بالأردن للدكتور وليد عبد الحي عالم المستقبليات العربي الأول ذكر أنه جلس مع زميل سابق وهو مسؤول جزائري كبير حدثه أنه خلال رحلة الرئيس تبون لدولة عربية كبيرة ، جلسنا مع رئسها ، قال له الرئيس تبون إننا على استعداد على مد غزة بالبترول والغاز مدة عام كامل دون أي مقابل عبر المياه الإقليمية لهاته الدولة العربية الكبيرة،وظل يحاول معه ساعة ونصف دون جدوى.{رابط الفيديو https://youtu.be/484Ti_OK2Zg
لكن الدكتور ناصر جابي يبدو أن اهتمامه بولاة يتابعون زجاجات خمر ملقاة على حواف الطرقات ، وتبليغ قرائه غير الجزائريين قاموسنا الشعبي السوقي كالشيتة ، وأرقه من انتشار الحجاب في مدرسة المعلمين ، حجبت عنه المنافذ عن رؤية الحقائق والوقائع كاملة . ولست أدرى كيف يكون موقفه أمام قرائه من غير الجزائريين إذا اطلعوا على هذه الحقائق ، وهو يخبرهم عن ابتعاد الدولة الجزائرية عن التطرق لقضايا البلد الجدية!!!
ر لكنّ خطابه كله يدل على أنه شديد الحذر ألا يقع فيما يُخل بالتزامات ما مع القطب الديمقراطي الغربي الأطلسي، من خلال بعض جمعيات مؤسسات المجتمع المدني / الأهلي { مبادرة الإصلاح العربي التي رأسها كاتب المقال لفترة } العربيةالناشطة بحثا واستقصاء وتحيللا ورسم برامج تطوير وتغيير للعالم العربي في الاتجاه المذكور. الذي هو الآن في مرحلة اختبار نموذج تكتيكي يبدو جديدا في جوانبه الشكلية . وهو ما يفسر التناغم بين العينات الثلاث . والذي يطلع على ما تنشره { مبادرة الإصلاح العربي/ مقرها باريس} من مقالات عن الجزائر كلها بلا استثناء ناقمة على حرص الدولة على البعد الاجتماعي في سياساتها ، والنقد الإيديولجي العرقي أحيانا { رغم أنها عربية {!!!والدفع نحو التوجه الغربي الأطلسي والشرق الأوسط الجديد . والليبرالية المتوحشة .